ثم علل صلى الله
عليه وسلم ذلك بأن من المأمومين من يحتاج إلى التخفيف، ورفع المشقة عنه؛ فالكبير
يراعى، وذو الحاجة يراعى - أيضًا -؛ لينصرف إلى حاجته، والمريض يراعى، فالإمام
يراعي أحوال المأمومين، أما إذا صلى وحده بنفسه، فإنه يطول ما شاء؛ لأنه لا يترتب
على تطويله إضرارٌ بأحد، ولهذا كان صلى الله عليه وسلم يراعي أحوال المأمومين، حتى
إنه إذا سمع بكاء الصبي، خفف الصلاة؛ رحمة بأمه([1]). أما إذا صلى وحده صلى
الله عليه وسلم، فإنه يطيل الصلاة، قام حتى تفطرت قدماه من طول القيام في الليل([2])، وكان يقرأ
بالمائة، وكان يقرأ بالسور الطوال، قرأ في ركعتين البقرة والنساء وآل عمران، وكان
ركوعه نحوًا من قيامه، وسجوده نحوًا من ركوعه([3])، ولم يفرغ من
الركعتين حتى طلع الفجر، حضرت صلاة الفجر؛ لأنه يصلي وحده.
ومن هنا أجاب
العلماء عن كون الصحابة رضي الله عنهم خففوا صلاة التراويح، وجعلوها ثلاثًا وعشرين
ركعة، بينما الرسول صلى الله عليه وسلم لا يزيد على إحدى عشرة، أو ثلاث عشرة ركعة
في رمضان أو في غيره([4]).
قالوا: لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يصلي وحده، وأما إذا صلى بجماعة، فإنه يراعي أحوالهم، فالصحابة رضي الله عنهم راعوا أحوال المصلين، فخففوا الصفة، وزادوا في العدد، والكل سنة، لكن يراعي أحوال المأمومين.
([1]) كما في الحديث الذي أخرجه أحمد (19/ 123)، والبخاري (709)، ومسلم (470)، والترمذي (376)، وابن ماجه (989): عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إني لأدخل في الصلاة وأنا أريد إطالتها، فأسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي مما أعلم من شدة وجد أمه من بكائه».