تخلف ثلاثة من
الصحابة رضي الله عنهم من غير عذر، ولما قفل النبي صلى الله عليه وسلم من تبوك،
جاء المنافقون يعتذرون إليه عن عدم خروجهم، والنبي صلى الله عليه وسلم قبل منهم،
ووكلهم إلى نياتهم، وأما هؤلاء الثلاثة، فلما جاؤوا بين يديه، اعترفوا بالحق، ولم
يكذبوا، وبينوا أنهم لا عذر لهم، وإنما هذا تثاقل وتكاسل حصل لهم حتى فات الأوان،
فصدقوا فيما تخلفوا أنه من غير عذر، ولم يكذبوا مع الذين كذبوا من المنافقين،
النبي صلى الله عليه وسلم أرجأ أمرهم، وهجرهم، وأمر الناس بهجرهم، حتى نزلت توبتهم
في قوله تعالى: ﴿لَّقَد تَّابَ ٱللَّهُ عَلَى ٱلنَّبِيِّ
وَٱلۡمُهَٰجِرِينَ وَٱلۡأَنصَارِ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ ٱلۡعُسۡرَةِ﴾ [التوبة: 117]. ساعة العسرة: هي
غزوة تبوك، وكان عثمان رضي الله عنه جهزها بثلاثمائة بعير بتكاليفها من خالص ماله،
وجاء بذهب، ووضعه بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم، فهذا من فضائل عثمان رضي
الله عنه أنه جهز جيش العسرة.
ثم قال جل وعلا: ﴿وَعَلَى ٱلثَّلَٰثَةِ ٱلَّذِينَ خُلِّفُواْ﴾، وهم: كعب بن مالك،
مرارة بن الربيع، وهلال بن أمية رضي الله عنهم، ﴿وَعَلَى ٱلثَّلَٰثَةِ ٱلَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّىٰٓ إِذَا ضَاقَتۡ
عَلَيۡهِمُ ٱلۡأَرۡضُ بِمَا رَحُبَتۡ وَضَاقَتۡ عَلَيۡهِمۡ أَنفُسُهُمۡ
وَظَنُّوٓاْ أَن لَّا مَلۡجَأَ مِنَ ٱللَّهِ إِلَّآ إِلَيۡهِ ثُمَّ تَابَ
عَلَيۡهِمۡ لِيَتُوبُوٓاْۚ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ﴾ [التوبة: 118].
أما المنافقون، فهي عادتهم؛ يتخلفون، ثم يعتذرون، ﴿وَقَالُواْ لَا تَنفِرُواْ فِي ٱلۡحَرِّۗ قُلۡ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّٗاۚ لَّوۡ كَانُواْ يَفۡقَهُونَ﴾ [التوبة: 81]، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه رضي الله عنهم في شدة الحر وجمرة القيظ، يقطعون البراري والرمال بينهم وبين تبوك، ووصلوا إليها، نزلوا بها، ولم يأت أحد