فِي
أَدِلَّة القُرْآن، ويقولون: إنها ظَنِّيَّةٌ، وأن الأَدِلَّة العقلية هِيَ
الأَدِلَّة اليقينية، فَإِذَا تعارَضَ العَقْلُ والنَّقلُ، فإنه يُقدَّم العَقْلُ
عِنْدَهُم؛ لأن العَقْل دَلِيل يقيني وقطعي عِنْدَهُم، وَأَمَّا القُرْآن فإنه
دَلِيل ظَنِّي. وَهَذَا عَكْسُ الحَقِيقَة؛ فَالحَقِيقَة أن أَدِلَّة القُرْآن
قَطْعِيَّة لا شَكَّ فِيهَا، وأن أَدِلَّة العَقْل هِيَ الظنية؛ لأَِنَّهَا
نِحَاتَةُ العُقُول وأفكار الرِّجَال، وَأَمَّا القُرْآن فَهُوَ تَنْزِيل من حكيمٍ
حميدٍ؛ قَالَ تَعَالَى: ﴿لَّا
يَأۡتِيهِ ٱلۡبَٰطِلُ مِنۢ بَيۡنِ يَدَيۡهِ وَلَا مِنۡ خَلۡفِهِۦۖ تَنزِيلٞ مِّنۡ
حَكِيمٍ حَمِيدٖ﴾
[فُصِّلَت: 42].
وَالوَاقِع
- كما ذَكَرَ شَيْخ الإِسْلاَم ابْن تيمية رحمه الله - أن العَقْل الصَّرِيح لا يُخالِف
النقلَ الصَّحِيح أَبَدًا. فالعقل الصَّرِيح الَّذِي لَيْسَ فيه خَلَلٌ لا يخالِف
النقلَ الصَّحِيح الثَّابِت، فإنْ تَعَارَضَا فَلاَ بُدَّ أن النقل غير صَرِيح،
وَأَمَّا أن العَقْل غير صَحِيح، أَمَّا إِذا تَوَفَّرَ الشرطان: العَقْل
الصَّرِيح والنقل الصَّحِيح فَلاَ يتعارضان أَبَدًا، فقاعدتهم السَّابِقَة
بَاطِلَة، وَقَد أَلَّفَ شَيْخ الإِسْلاَم فِي هَذَا مؤلَّفًا كَبِيرًا اسمه «دَرْء تعارُض العَقْل والنقل» وَهُوَ
مطبوع - والحمد لله - ويَختصرون العنوان ويقولون: «العَقْل والنقل»، يَقُول الإِمَام ابْن القيم رحمه الله:
واقرأ كِتَاب العَقْل والنقل الَّذِي **** ما فِي
الوُجُود لَهُ نَظِير ثَانٍ
يَعْنِي: لَيْسَ لَهُ نَظِير فِي هَذَا البَاب؛ لأنه أَفْحَمَ المتكلِّمِين ورَدَّ شُبَهَهُم وفَنَّدَها، وبَيَّنَ أن القُرْآن لا يَتطَرَّق إِلَيْهِ شكٌّ أو احْتِمَالٌ أَبَدًا، وَقَوْل ابْن القيم: «ما فِي الوُجُود لَهُ نَظِير ثَانٍ» يَعْنِي: لَيْسَ لَهُ مِن مؤلَّفات العُلَمَاء نَظِيرٌ؛ لأنه قَطَعَ ظُهُورَ هَؤُلاَءِ وأَفحَمَهُم ورَدَّ شُبُهَاتِهِم.
الصفحة 2 / 231