فإن قلتَ: هَذَا قبرُ رَسُول الله صلى الله عليه
وسلم قَد عُمِّرت عَلَيْهِ قُبَّة عَظِيمَة أُنفقت فِيهَا الأَمْوَال.
قلتُ: هَذَا جهلٌ
عَظِيم بِحَقِيقَة الحَال؛ فإنَّ هَذِهِ القبَّة لَيْسَ بناؤها مِنْهُ صلى الله
عليه وسلم، ولا من أَصْحَابه، ولا مِن تابعيهم، ولا تابعي التَّابِعِينَ، ولا مِن
عُلَمَاء أمَّته وَأَئِمَّة مِلَّتِه، بل هَذِهِ القبَّة المعمولةُ عَلَى قبره صلى
الله عليه وسلم مِن أبنية بَعْض مُلوك مِصْر المُتَأَخِّرِينَ، وَهُوَ قَلاَُوون
الصالحي المعروف بالملك المنصور، فِي سنة ثَمَان وسبعين وستمائة،
****
قَوْله:
«وَلِهَذَا الأَمْر ثَبت فِي الأَحَادِيث
النبوية اللَّعنُ عَلَى من أسْرج عَلَى القبور، وكتب عَلَيْهَا وبنى عَلَيْهَا»؛
فَفِي الحَدِيث: «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ
صلى الله عليه وسلم زَائِرَاتِ الْقُبُورِ، وَالْمُتَّخِذِينَ عَلَيْهَا
الْمَسَاجِدَ وَالسُّرُجَ» ([1])،
فَهَذَا لعن من الرَّسُول صلى الله عليه وسلم لمن يزين القبور بما يُعزي الجُهَّال
بها.
وَقَوْله: «وَأَحَادِيث ذَلِكَ واسعةٌ معروفة»؛ مَوْجُودَة فِي كتب الحَدِيث،
وفي كتب العَقَائِد، ولشيخ الإِسْلاَم ابْن تيمية رحمه الله رسائل فِي هَذَا
لِلرَّدِّ عَلَى القبوريين، ودحض شُبُهَاتهم.
قَوْله:
«فإنَّ ذَلِكَ فِي نَفْسِهِ مَنْهِيّ
عَنْهُ»؛ أولاً: هُوَ مَنْهِيّ عَنْهُ، وَلاَ يَجُوز مخالفة النَّهْي، قَالَ
تَعَالَى: ﴿وَمَا
نَهَىٰكُمۡ عَنۡهُ فَٱنتَهُواْۚ﴾
[الحَشْر: 7].
ثَانِيًا:
قَوْله: «هُوَ ذَرِيعَة إِلَى مفسدة عَظِيمَة»؛ فَهُوَ ذَرِيعَة إِلَى
الفَسَاد فِي العَقِيدَة، وإلى الشِّرْك.
هَذِهِ شُبْهَة جديدة، فهم يَقُولُونَ: إنَّ قبر الرَّسُول صلى الله عليه وسلم عَلَيْهِ قبة خضراء، ونراكم تنكرون القباب الَّتِي عَلَى قبور الصَّالِحِينَ، وقبر الرَّسُول صلى الله عليه وسلم عليه قبة ولا تنكرونها.
الصفحة 1 / 231