ذَكَرَهَا المُؤَلِّف رحمه الله فِي أَوَّل
الرِّسَالَة، فهم مُقِرُّون بتوحيد الرُّبُوبِيَّة، وَلَكِنَّهُم يُشرِكون فِي
تَوْحِيد الألوهية؛ وَلِذَلِكَ سَمَّاهم اللهُ مُشرِكين مَعَ أَنَّهُم مُقِرُّون
بتوحيد الرُّبُوبِيَّة؛ لأنه لا يَكفِي، ولا يُدخِل فِي الإِسْلاَم، ولا يُنقِذ من
النَّار حَتَّى يضيفوا إِلَيْهِ تَوْحِيد الألوهية؛ بأن يَعبُدوا الله وَحْدَهُ
لاَ شَرِيكَ لَهُ بجميع أنواع العِبَادَة، فَهَذَا مَعْنى «لاَ إِلَهَ إلاَّ اللهُ»، وَلَيْسَ مَعْنَاهَا إِثْبَات تَوْحِيد
الرُّبُوبِيَّة، وَإِنَّمَا مَعْنَاهَا إِثْبَات تَوْحِيد الألوهية وَالعِبَادَة، «لاَ إِلَهَ إلاَّ اللهُ» أي: لا معبود
بِحَقٍّ إلاَّ الله سبحانه وتعالى، فَهَذَا أصلٌ يَجِب معرفته؛ لئلا يَلتَبِس
الأَمْر - خصوصًا فِي هَذَا الزَّمَان - فِي أَمْرِ التَّوْحِيد، ويَحصل الغَلَط
فِي العَقِيدَة؛ لأنه إِذا حَصَلَ الغَلَط فِي العَقِيدَة لن يَصِحّ بعدها دِينٌ
ولا عبَادَةٌ، وَهَذَا خطرٌ عَظِيمٌ، وَلِهَذَا اهتَمَّت الرُّسُلُ من أولهم إِلَى
آخِرهم بالدعوة إِلَى تَوْحِيد الألوهية الَّذِي هُوَ تَوْحِيد العِبَادَة، وَلَمْ
يطالِبوا أُمَمَهم بالإقرار بتوحيد الرُّبُوبِيَّة؛ لأن هَذَا شَيْء مَوْجُود
فِيهِم؛ ولأنه لا يكفي فِي النجاة من النَّار، ولا يَحصل به الدُّخُول فِي
الإِسْلاَم.
قَوْله:
«ومن هَذَا تَعرِف أن التَّوْحِيد الَّذِي
دَعَتهُم إِلَيْهِ الرُّسُلُ... هُوَ تَوْحِيد العِبَادَة»؛ بلا شك، فَهَذَا
هُوَ الَّذِي دَعَت الرُّسُل إِلَيْهِ، كما قَالَ جل وعلا: ﴿وَمَآ
أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِيٓ إِلَيۡهِ أَنَّهُۥ لَآ
إِلَٰهَ إِلَّآ أَنَا۠ فَٱعۡبُدُونِ﴾
[الأَنْبِيَاء: 25]، وفي قَوْله تَعَالَى: ﴿وَلَقَدۡ بَعَثۡنَا فِي كُلِّ أُمَّةٖ رَّسُولًا أَنِ ٱعۡبُدُواْ
ٱللَّهَ وَٱجۡتَنِبُواْ ٱلطَّٰغُوتَۖ﴾
[النَّحْل: 36]، وَقَوْله تَعَالَى: ﴿وَٱجۡتَنِبُواْ ٱلطَّٰغُوتَۖ﴾؛
يَعْنِي: الشِّرْك؛ فمن عُبِد من دون الله فَهَذِهِ عبَادَة