فإن قلتَ: إنَّ الناذر قَد يُدْرك النَّفْع ودفعَ
الضَّرَر بِسَبَب إِخْرَاجه للنذر وبذله!
قلتُ: كَذَلِكَ
الأَصْنَام، قَد يُدْرك مِنْهَا ما هُوَ أبلغُ من هَذَا، وَهُوَ الخطاب من جَوفها
وَالأَخْبَار بِبَعْض ما يكتمه الإِنْسَان، فإن كَانَ هَذَا دَلِيلاً عَلَى حقيَّة
القبور وصحة الاِعْتِقَاد فِيهَا؛ فليكن دَلِيلاً عَلَى حقيَّة الأَصْنَام،
وَهَذَا هدٌم للإسلام وتشييدٌ لأركان الأَصْنَام.
****
قَوْله:
«فإن قلتَ: إنَّ الناذر قَد يُدْرك
النَّفْع ودفعَ الضَّرَر بِسَبَب إِخْرَاجه للنذر وبذله! قلتُ: كَذَلِكَ
الأَصْنَام...».
انْتَقَلَ
المُؤَلِّف رحمه الله إِلَى شُبْهَة أُخْرَى، وَهِيَ أَنَّهُم يَقُولُونَ: إن
الناذر للصنم أو المستغيث به يحصل عَلَى مَقْصُودة وتقُضى حاجته، فَهَذَا دَلِيل
عَلَى صِحَّة عمله، وهذه شُبْهَة قوية عِنْدَ ضِعَاف الإِيمَان، وَهِيَ أن قَضَاء
الحَاجَة وَحُصُول الحَاجَة من المدعو من دون الله دَلِيل عَلَى الجَوَاز. ويُقال
لَهُم: لَيْسَ حُصُول الحَاجَة دَلِيلاً عَلَى جَوَاز هَذَا النَّذْر، فَلَيْسَ
فِي الإِسْلاَم أَدِلَّة إلاَّ الكتاب والسُّنَّة، أَمَّا حُصُول الحَاجَة
فَلَيْسَ دَلِيلاً؛ لأنه قَد يُمتحن ويُستدرج فتُقضى حاجته من الله لأجل استدراجه
وَالعِيَاذُ بالله، فَلاَ يقضي الحَوَائِج إلاَّ الله، فالله قَد يقضي حاجتهم
ليستدرجهم من حَيْثُ لا يعلمون: ﴿فَذَرۡنِي وَمَن يُكَذِّبُ بِهَٰذَا ٱلۡحَدِيثِۖ سَنَسۡتَدۡرِجُهُم
مِّنۡ حَيۡثُ لَا يَعۡلَمُونَ ٤٤وَأُمۡلِي لَهُمۡۚ إِنَّ كَيۡدِي مَتِينٌ ٤٥﴾ [القَلَم: 44، 45]، فَهَذَا استدراج.
أو أن يَكُون هَذَا صَادَفَ قَضَاءً وقدرًا وَلَيْسَ من أجل هَذَا المَيِّت الَّذِي دعاه ولا هَذَا القبر الَّذِي نذر لَهُ، بل قضيت حاجته لأَِنَّ اللهَ قدَّر أنها تُقضى، قضاءٌ وقدر صَادَفَ حُصُوله فِي هَذَا المَكَان. فَلَيْسَ فِي هَذَا
الصفحة 1 / 231