قلتُ: هَذَا جهلٌ بِمَعْنَى العِبَادَة،
فَإِنَّهَا لَيْسَت منحصرةً فِي ما ذكرتَ، بل رأسها وأَساسها الاِعْتِقَاد، وَقَد
حَصَلَ فِي قلوبهم ذَلِكَ، بل يُسَمُّونَهُ مُعْتَقدًا، ويصنعون لَهُ ما سمعته
مِمَّا تفرَّع عَن الاِعْتِقَاد من دُعَائِهِم وندائهم والتوسل بهم والاستغاثة
والاستعانة والحلف وَالنَّذْر، وغير ذَلِكَ.
****
فالجواب:
أن هَذَا هُوَ قَوْل المشركين السَّابِقين، سَوَاء بِسَوَاء؛ لأن المشركين
الأَوَّلين الَّذِينَ قاتلهم رَسُول الله صلى الله عليه وسلم واستحل دماءهم
وأموالهم يَقُولُونَ هَذِهِ المقالة: ﴿مَا نَعۡبُدُهُمۡ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ
زُلۡفَىٰٓ﴾ [الزُّمُر: 3]، ﴿هَٰٓؤُلَآءِ
شُفَعَٰٓؤُنَا عِندَ ٱللَّهِۚ﴾
[يُونُس: 18]، فهم لم يعتقدوا فِيهِم أَنَّهُم ينفعوا أو يضرون، وأنهم يقدرون
عَلَى ما يُطلب مِنْهُمْ، وَلَكِنَّهُم يَقُولُونَ: أَنَّهُم وسائط بَيْننَا وبين
الله، وَقَد ردَّ الله عَلَيْهَا فِي القُرْآن وحكم عَلَى أَصْحَابهَا بالكفر والشرك
والكذب، فَكَيْفَ تعيدونها علينا بعد الإِسْلاَم وبَعْدَ أَن منَّ الله عَلَى
المُسْلِمِينَ بِالإِسْلاَمِ، فَكَيْفَ تعيدون ما كَانَ عَلَيْهِ المُشْرِكُونَ من
قبْل مَعَ الأَوْلِيَاء والصالحين؟ هَذَا عين مقالة الأَوَّلين لا تختلف عَنْهَا
بِشَيْءٍ؛ لأن الَّذِي أضل الأَوَّلين هُوَ الَّذِي أضل الآخَرين، وَهُوَ
الشَّيْطَان.
قَوْله:
«قلتُ: هَذَا جهلٌ بِمَعْنَى العِبَادَة»؛
ما مَعْنى العِبَادَة؟ العِبَادَة لَيْسَت مقصورة عَلَى الصَّلاَة وَالحجّ
وَالصِّيَام؛ العِبَادَة كل ما يُتقرب به إِلَى المعبود، وكل ما يتذلل لَهُ به
فَهُوَ عبَادَة، سَوَاء كَانَت عبَادَة صَحِيحَة أو عبَادَة بَاطِلَة.
قَوْله:
«فَإِنَّهَا لَيْسَت منحصرةً فِي ما ذكرتَ»؛
أي: فِي الصِّيَام، وَالصَّلاَة وَالحجّ.
الصفحة 2 / 231