×
سبيل الرشاد في شرح تطهير الاعتقاد عن أدران الإلحاد

 التَّشَبُّه بهم. وإن كَانَ ظَاهِره أن من فعل ذَلِكَ «فَهُوَ مِنْهُمْ» يَعْنِي: فقد كفر، هَذَا ظَاهِر الحَدِيث، وَلَكِن أَقَلّ أحواله أن هَذَا محرم؛ لأنه ما تشبه بهم إلاَّ وَهُوَ يجيز ما هُم عَلَيْهِ، ويستسيغ ما هُم عَلَيْهِ، وإلا لو كَانَ يعتقد بطلان ما هُم عَلَيْهِ ما تشبه بهم.

قَوْله: «ومن تكلَّم بِكَلِمَة الكفر صَارَ كافرًا»؛ وَقَد مرَّ بنا قَوْله تَعَالَى: ﴿وَلَئِن سَأَلۡتَهُمۡ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلۡعَبُۚ [التَّوْبَة: 65] فِي أي شَيْء يخوضون؟ يَقُولُونَ: «ما رأينا مِثْل قرائنا هَؤُلاَءِ، لا أَرْغَب بطونًا، ولا أكذب ألسنة، ولا أجبن عِنْدَ اللِّقَاء»، أَلَيْس هَذَا كَلاَم بالألسن؟ بلى، وَمَعَ هَذَا قَالَ الله فِيهِم: ﴿لَا تَعۡتَذِرُواْ قَدۡ كَفَرۡتُم بَعۡدَ إِيمَٰنِكُمۡۚ [التَّوْبَة: 66]، وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «وَإِنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ، لاَ يُلْقِي لَهَا بَالاً، يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ» ([1])، كَلِمَة وَاحِدَة ولا يلقي لها بَالاً أَيْضًا، وَقَد قَالَ الله جل وعلا: ﴿وَلَقَدۡ قَالُواْ كَلِمَةَ ٱلۡكُفۡرِ وَكَفَرُواْ بَعۡدَ إِسۡلَٰمِهِمۡ [التَّوْبَة: 74]، فالكفر يَكُون بِالكَلاَمِ، ومن دَعَا غير الله فَهَذَا كَلاَم، وَمَعَ هَذَا يكفر به.

قَوْله: «فَكَيْفَ بمن بلغ هَذِهِ الرتبة اعْتِقَادًا وقولاً وفعلاً؟»؛ أي: كيف بمن لم يقتصر عَلَى الكَلِمَة الكفرية، بل صَارَ يذبح لَهُم وينذر لَهُم، ويطوف بقبورهم، ويستغيث بهم فِي الشَّدَائِد، وَهَذَا أشد من كَلِمَة الكفر.


الشرح

([1])  أخرجه: البخاري رقم (6478).