قَوْله: «وَهِيَ فِي الأَصْل صُوَرُ
رِجَالٍ صَالِحِينَ كَانُوا يحبونهم ويعتقدون فِيهِم، فَلَمَّا هَلَكُوا صوَّروا
صُوَرَهم تَسَلِّيًا بها، فَلَمَّا طال عَلَيْهِمْ الأَمَد عَبَدُوهُمْ، ثُمَّ
زَادَ الأَمَد طُولاً فَعَبَدُوا الأَحْجَارَ»؛ هَذَا حَصَلَ فِي قوم نُوح؛
كَانُوا عَلَى عَقِيدَة التَّوْحِيد بعد آدَم، حَيْثُ كَانُوا عَلَى عَقِيدَة
أَبِيهِم آدَم: عَقِيدَة التَّوْحِيد، قَالَ ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما: كَانَ
بَيْنَ آدَمَ، وَنُوحٍ عَشَرَةُ قُرُونٍ كُلُّهُمْ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْحَقِّ ([1])؛
أي: عَلَى عَقِيدَة آدَم عليه السلام، يَعبُدون اللهَ وحده، وَكَانَ قوم نُوح
عَلَى التَّوْحِيد، عَلَى عبَادَة الله كأسلافهم، ثُمَّ قُدِّرَ أَنْ كَانَ فِيهِم
عُلَمَاء صالحون يحبونهم ويَتعَلَّمون عَلَى أَيْدِيهم، فماتوا فِي عامٍ واحدٍ،
ففَقَدُوهم وحَزِنُوا عَلَيْهِمْ.
فَلَمَّا رآهم الشَّيْطَان قَد حَزِنُوا عَلَيْهِم اختَرَعَ لَهُم مَكِيدَةً خَدَعَهم بها، فَقَالَ: صَوِّرُوا صُوَرَهم وَإِذَا رَأَيْتُم صُوَرَهم تَتَسَلُّون بها، فيَخِفّ عنكم الحزنُ وتَنشُطون عَلَى العِبَادَة، جَاءَهُم من طَرِيق النصيحة لَهُم، فقَبِلُوا هَذِهِ الفكرة، فصَوَّرُوا صُوَرَهم من بَاب الذكريات؛ لِيَتَذَكَّروا أَحْوَالهم وأشخاصهم، فيُخَفِّف هَذَا عَنْهُم الحزنَ، وَعَلَيْهِ فالذين يُصوِّرون الصُّوَرَ الآنَ للذكريات هُم من هَذَا البَاب، ولَوْ لَمْ يَعبُدوها فِي أَوَّل الأَمْر، ولو كَانَت للذكريات والاحتفاظ بها فَقَط، لاَ سِيَّمَا صُوَر المُعَظَّمِين كالملوك والرؤساء والعلماء؛ فإن خَطَرَهَا عَظِيمٌ؛ فقد عاش قوم نُوح عَلَى هَذَا وَلَمْ يَتَمَكَّن الشَّيْطَانُ مِن دَعْوَتِهم إِلَى عبَادَة هَذِهِ الصُّوَر؛ لأنه كَانَ فِيهِم عُلَمَاء يَنهَون عَن الشِّرْك، وَلَيْسَ أَشَدّ عَلَى الشَّيْطَان من العُلَمَاء
([1]) أخرجه: الحاكم رقم (3654).