- العُلَمَاء الربانيين - فَهُوَ لا يجرؤ أن
يأمرهم بِعِبَادَتِهِم، وَكَانُوا يَتخذون هَذِهِ الصُّوَر للذكريات ولتخفيف الحزن
عَلَيْهِمْ ولِتُنَشِّطَهم عَلَى العِبَادَة كما يَقُولُونَ، فَلَمَّا مَاتَ
العُلَمَاء، وَمَاتَ هَذَا الجيل وَمَا فيه من العُلَمَاء، وَأَتَى جيل آخر وفشا
الجَهْل فِيهِم، جَاءَهُم الشَّيْطَان وَقَالَ: إن آباءكم ما نَصَبُوا هَذِهِ
الصُّوَر إلاَّ لِيَعبُدوها، وبها كَانُوا يُسقَون المطرَ، فزَيَّنَ لَهُم
عِبَادَتهَا، فعَبَدوها من دون الله بِسَبَب الجَهْل بِالعَقِيدَةِ، والجهل
بالتوحيد وفَقْدِ العُلَمَاء، والشيطان إِنَّمَا يأتي مَعَ الجَهْل، وَمَعَ فَقْدِ
العُلَمَاء، فقَبِلُوا مِنْهُ وعَبَدُوها من دون الله، وحَدَثَ الشِّرْك فِي
الأَرْض من ذَلِكَ الوقت.
فأول
ما حَدَثَ الشِّرْك فِي قوم نُوح وَكَانَ سببه الغُلُوّ فِي الصَّالِحِينَ، فالغلو
بالمخلوق مهما كَانَ فيه من الصَّلاَح لاَ يَجُوز حَتَّى النَّبِيّ لاَ يَجُوز أن
يُغَالَى فيه؛ قَالَ صلى الله عليه وسلم: «لاَ
تُطْرُونِي، كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ، فَإِنَّمَا أَنَا
عَبْدُهُ، فَقُولُوا عَبْدُ اللَّهِ، وَرَسُولُهُ» ([1]).
فَلاَ يَجُوزُ الغُلُوُّ فِي الصَّالِحِينَ، وَلَكِن الصَّالِحِينَ يُحَبُّون وَيُثْنَى
عَلَيْهِمْ وَيُقْتَدَى بِهِم، أَمَّا أَنَّهُم يُعبَدون من دون الله، أو أَنه
يُتَبَرَّك بهم وبقبورهم أو غير ذَلِكَ فَهَذَا شِركٌ أَكْبَرُ.
فَلَمَّا بَعَثَ اللهُ نوحًا عليه السلام يَدْعُو هَؤُلاَءِ إِلَى الرُّجُوع إِلَى التَّوْحِيد وتَرْكِ عبَادَة هَذِهِ الصُّوَر أَنكَروا عَلَيْهِ أشد الإِنْكَار، وامتَنَعوا من قَبُول دَعوَتِه عليه السلام: ﴿وَقَالُواْ لَا تَذَرُنَّ ءَالِهَتَكُمۡ﴾ [نُوح: 23]، وبَقِيَ يدعوهم ويعالجهم ويَصبِر عَلَيْهِمْ، فلَبِثَ فِيهِم أَلْفَ سنةٍ إلاَّ خَمْسِينَ عامًا، فَلَمَّا نَزَلَ عَلَيْهِ:
([1]) أخرجه: البخاري رقم (3445).