مَعَ أَنَّهُم لم يُسَوُّوهم به من كل وَجْهٍ، ولا
جَعَلُوهم خالِقِين ولا رازِقِين، لَكِنَّهُم عَلِمُوا وَهُم فِي قَعر جهنم أنَّ
خَلْطَهُم الإِقْرَارَ بِذَرَّةٍ مِن ذَرَّاتِ الإِشْرَاك فِي تَوْحِيد العِبَادَة
صَيَّرَهُم كَمَنْ سَوَّى بَين الأَصْنَام وبين رَبِّ الأَنَام.
قَالَ الله
تَعَالَى: ﴿وَمَا يُؤۡمِنُ
أَكۡثَرُهُم بِٱللَّهِ إِلَّا وَهُم مُّشۡرِكُونَ﴾ [يُوسُف: 106]؛
أي: ما يُقِرُّ أَكْثَرُهم فِي إِقْرَاره بالله وبأنه خَلَقَهُم وَخَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ إلاَّ وَهُوَ مُشْرِكٌ
بِعبَادَة الأَوْثَان.
****
قَوْله:
«مَعَ أَنَّهُم لم يُسَوُّوهم به من كل
وَجْهٍ»؛ أي: هُم لم يسووهم به فِي الرُّبُوبِيَّة، وَإِنَّمَا سووهم به فِي
الألوهية.
قَوْله:
«أَنَّ خَلْطَهُم الإِقْرَارَ بِذَرَّةٍ
مِن ذَرَّاتِ الإِشْرَاك فِي تَوْحِيد العِبَادَة صَيَّرَهُم كَمَنْ سَوَّى بَين
الأَصْنَام وبين رَبِّ الأَنَام»؛ فَلاَ فرق بَين من عبد الأَصْنَام ومن عبد
الأَوْلِيَاء والصالحين؛ لأن هَذَا كله صرفٌ لِلْعِبَادَةِ لغير الله سبحانه
وتعالى، فمن صرفها لصنمٍ كمن صرفها لشجرةٍ أو صرفها لولي من الأَوْلِيَاء.
قَالَ
الله جل وعلا: ﴿وَمَآ
أَكۡثَرُ ٱلنَّاسِ وَلَوۡ حَرَصۡتَ بِمُؤۡمِنِينَ ١٠٣وَمَا تَسَۡٔلُهُمۡ عَلَيۡهِ
مِنۡ أَجۡرٍۚ إِنۡ هُوَ إِلَّا ذِكۡرٞ لِّلۡعَٰلَمِينَ ١٠٤وَكَأَيِّن مِّنۡ ءَايَةٖ
فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ يَمُرُّونَ عَلَيۡهَا وَهُمۡ عَنۡهَا مُعۡرِضُونَ ١٠٥وَمَا
يُؤۡمِنُ أَكۡثَرُهُم بِٱللَّهِ إِلَّا وَهُم مُّشۡرِكُونَ ١٠٦﴾ [يُوسُف: 103- 106]؛ أي: لا يؤمن أكثرهم بتوحيد
الرُّبُوبِيَّة إلاَّ وهم مشركون فِي تَوْحِيد الألوهية.
قَوْله: «أي: ما يُقِرُّ أَكْثَرُهُم فِي إِقْرَاره بالله وبأنه خَلَقَهُمْ وَخَلَقَ السَّمَوَات وَالأَرْض إلاَّ وَهُوَ مُشْرِك بِعبَادَة الأَوْثَان»؛ أي: جمعوا بَين الإِقْرَار بالربوبية والشرك بالألوهية، وَهَذَا تناقض. إِذا فمن صرف جهده
الصفحة 3 / 231