×
سبيل الرشاد في شرح تطهير الاعتقاد عن أدران الإلحاد

 يَقُولُونَ: «لاَ إِلَهَ إلاَّ اللهُ»، ويُكْثرون من ذَلِكَ، وَقَد قَالَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لاَ إِلَهَ إلاَّ اللَّهُ، فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ»، فَلاَ يَجُوزُ تكفيرهم ولا قتالهم؛ لأَِنَّهُم عصموا دماءهم وأموالهم بِهَذِهِ الكَلِمَة. يَقُولُونَ هَذَا يغفلون عَن آخر الحَدِيث؛ وَهُوَ قَوْله صلى الله عليه وسلم: «إِلاَّ بِحَقِّهَا»؛ أي: حَقّ «لاَ إِلَهَ إلاَّ اللهُ»، وأعظم حَقّ «لاَ إِلَهَ إلاَّ اللهُ» إفراد الله جل وعلا بِالعِبَادَةِ، ومن حَقّهَا: إقام الصَّلاَة وإيتاء الزَّكَاة، وصوم رمضان، وَحجّ بَيْت الله الحَرَام.

وَقَد قاتل الصَّحَابَة مانعي الزَّكَاة وَهِيَ ركن من أَرْكَان الإِسْلاَم مَعَ أَنَّهُم كَانُوا يَقُولُونَ: «لاَ إِلَهَ إلاَّ اللهُ»، ولما قَالُوا لأَبِي بَكْر رضي الله عنه كيف تقاتلهم، وهم يَقُولُونَ: «لاَ إِلَهَ إلاَّ اللهُ»؟ قَالَ: إن الرَّسُول صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِلاَّ بِحَقِّهَا»، وإن الزَّكَاة من حَقّهَا، والله لو منعُوني عقالاً كَانُوا يُؤدُّونهُ إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلْتُهُمْ عَلَى منْعه ([1])، فقاتلهم وقتلهم حَتَّى أخضعهم لإيتاء الزَّكَاة رضي الله تَعَالَى عَنْهُ، مَعَ أَنَّهُم يَقُولُونَ: «لاَ إِلَهَ إلاَّ اللهُ»، أفكان الصَّحَابَة بقيادة أَبِي بَكْر رضي الله عنه مخطئين عَلَى قَوْل هَؤُلاَءِ؛ لأَِنَّهُم قاتلوا مانعي الزَّكَاة وهم يَقُولُونَ: «لاَ إِلَهَ إلاَّ اللهُ»؟

فَدَلَّ عَلَى أن «لاَ إِلَهَ إلاَّ اللهُ» لَيْسَت مُجَرَّد قَوْل، بل لاَ بُدَّ من العَمَل بمقتضاها وَهُوَ إفراد الله بِالعِبَادَةِ، وترك ما يناقضها، وَهُوَ الشِّرْك بالله عز وجل، فليست «لاَ إِلَهَ إلاَّ اللهُ» عاصمة للدم والمال إلاَّ بِأَدَاء حَقّهَا.


الشرح

([1])  أخرجه: البخاري رقم (7284)، ومسلم رقم (20).