نَقُول: نعم إِذا نطق بها يُكفُّ عَنْهُ، ويُقبل
إِسْلاَمه، إلاَّ إِذا ظهر مِنْهُ ما يناقضها من عبَادَة غير الله فإنه لا يُكفُّ
عَنْهُ حِينَئِذٍ؛ لأنه يعتبر مرتدًّا، فإن اسْتَمرّ عَلَيْهَا فإنه مُسْلِم،
وَإِذَا أَتَى بما يناقضها فإنه يَكُون مرتدًّا، يُقام عَلَيْهِ حَدّ المُرْتَدّ.
وَهَذَا
شَأْن القبوريين، يَقُولُونَ: «لاَ إِلَهَ
إلاَّ اللهُ»، وَلَكِن يأتون بما يناقضها، وَهُوَ الاستغاثة بالأموات والذبح،
وَالنَّذْر لَهُم، والالتجاء إِلَيْهِمْ، فهم ناقضوا «لاَ إِلَهَ إلاَّ اللهُ» فَصَارَ الحَدِيث حجة عَلَيْهِمْ لا لَهُم،
وَلَكِن أهل الضَّلاَل من عاداتهم أَنَّهُم لا يتفقهون فِي النُّصُوص، وَإِذَا
استدلوا لا يُكْملون النَّصّ، ولا يأتون بما يوضحه من كَلاَم الرَّسُول صلى الله
عليه وسلم؛ لأن الأَحَادِيث يفسر بَعْضهَا بَعْضًا، مِثْل القُرْآن يُبين بَعْضه
بَعْضًا، ويُفسر بَعْضه بَعْضًا، فيُردُّ المتشابه إِلَى المحْكم. أَمَّا أهل
الزيغ فيأخذون المتشابه ويتركون المحكم، وهذه طريقتهم دَائِمًا وأبدًا.
فَلَيْسَ
المراد بـ «لاَ إِلَهَ إلاَّ اللهُ»
مُجَرَّد النطق بها، ثُمَّ فعل أفعال المشركين الَّذِينَ أبوا أَنْ يَقُولَوها. والمشركون
أعقل مِنْهُمْ؛ لأَِنَّهُم أبوا أَنْ يَقُولَوها لأَِنَّهَا تناقض ما هُم
عَلَيْهِ، وهؤلاء يقولونها ولا يتركون ما يناقضها، فالمشركون أعقل مِنْهُمْ؛
فَلَمَّا قِيلَ لَهُم: قولوا: «لاَ إِلَهَ
إلاَّ اللهُ»، قَالُوا: ﴿أَجَعَلَ ٱلۡأٓلِهَةَ إِلَٰهٗا وَٰحِدًاۖ إِنَّ هَٰذَا
لَشَيۡءٌ عُجَابٞ﴾ [ص: 5]، ﴿إِنَّهُمۡ كَانُوٓاْ
إِذَا قِيلَ لَهُمۡ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا ٱللَّهُ يَسۡتَكۡبِرُونَ ٣٥وَيَقُولُونَ
أَئِنَّا لَتَارِكُوٓاْ ءَالِهَتِنَا لِشَاعِرٖ مَّجۡنُونِۢ ٣٦﴾ [الصَّافَات: 35، 36]، وَهُوَ لم يقل لَهُم: اتركوا آلهتكم،
بل قَالَ: قولوا: «لاَ إِلَهَ إلاَّ اللهُ»،
ففهموا - لأَِنَّهُم عرب فصحاء -
الصفحة 4 / 231