وَهِيَ هَذِهِ المكُوسُ المسمَّاة بالمجابي،
المعلوم مِن ضَرُورَة الدّين تَحْرِيمهَا، قَد ملأت الدِّيَار والبقاع، وَصَارَت
أَمْرًا مأنوسًا، لا يلج إِنْكَارهَا إِلَى سمع من الأسماع، وَقَد امتدَّت أيدي
المكَّاسين فِي أَشْرَف البِقَاع، فِي مَكَّة أمِّ القرى، يقبضون من القاصدين
لأداء فريضة الإِسْلاَم، ويلْقون فِي البَلَد الحَرَام كلَّ فعل حرام، وسُكَّانها
من فُضلاء الأَنَام، والعلماءُ والحكَّامُ ساكتون عَن الإِنْكَار، مُعرضون عَن
الإيراد والإصدار، أفيكون السُّكُوت من العُلَمَاء، بل من العَالم دَلِيلاً عَلَى
حِلِّ أَخذهَا وإحرازها؟ هَذَا لا يقولُه مَن لَهُ أَدْنَى إِدْرَاك.
****
لَيْسَ بِعَالم حقيقي، وَإِنَّمَا هُوَ عالم
مصَالِح: شهوات وأهواء؛ وَلِهَذَا قَالَ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ
يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ
الإِْيمَانِ» ([1])،
فَلاَ يقل أَحَد: أنا منكر فِي قلبي ويخالطهم، ويسكت عَلَى ما هُم عَلَيْهِ،
فَإِذَا كَانَ يُنْكر بقلبه فليعتزلهم وليبتعد عَنْهُم، ولا يُرى معهم أَبَدًا،
هَذَا الَّذِي يُنْكر بقلبه، أَمَّا أنه يخالط أهل الْمُنْكَر ويقول: أنا مُنكر
فِي قلبي! فَهَذَا لَيْسَ صَحِيحًا؛ لأن مخالطتك لَهُم يأخذها النَّاس عَلَى أنك
مُقرٌّ لَهُم عَلَى هَذَا، فَإِذَا أنكرت فلتعتزل.
قَوْله:
«ولنضْرِبْ لك مثلاً مِن ذَلِكَ»؛
يضرب لكم المُؤَلِّف الآنَ مثلاً عَلَى السُّكُوت، وهل هُوَ يعتبر دَلِيلاً وحجة
أم لا؟
قَوْله: «وَهِيَ هَذِهِ المكُوسُ المسمَّاة بالمجابي»؛ المكوس: هِيَ الضرائب الَّتِي تأخذها الجمارك من أَمْوَال التُّجَّار، وهذه بلية؛
([1]) أخرجه: مسلم رقم (49).
ذكر الفقهاء رحمهم الله ما يشترط في الإمام والخطيب بأن يكون مؤهلاً تأهيلاًً علمياً ومن أهم ذلك أن يكون مجيداً لقراءة كتاب الله عز وجل عارفاً بمعانيه ، وأن يكون فقيهاً ولو على الأقل بأحكام الصلاة وما ينوبها وما يحتاجه الإمام في صلاته هذا الحد