×
سبيل الرشاد في شرح تطهير الاعتقاد عن أدران الإلحاد

 بِهَذَا، وَجَمِيع المشركين مُقِرُّون بِهَذَا، إِذًا لا فَائِدَة من بعثة الرُّسُل، ولا فَائِدَة من إنزال الكتب، فَيَجِب مَعْرِفَة هَذَا الشَّيْء؛ فَهَذَا الَّذِي عَطَّلُوا به دعوةَ الرُّسُل، ولا تَجِدُهم يَدْعُون إِلَى التَّوْحِيد، بل يَدْعُون إِلَى الصِّدْق، وإلى الأَمَانَة، ويَدْعُون إِلَى مَكارِم الأَخْلاَق... إِلَى آخِرِهِ، ويَنْهَون عَن الرِّبَا، وعن الفَوَاحِش.

وكل هَذَا ضروري بلا شك لَكِن بعد التَّوْحِيد، وبعد الأساس، فَلاَ بُدَّ فِي أَوَّل الأَمْر من تصحيح الأساس، ثُمَّ بعد ذَلِكَ تُبْنَى عَلَيْهِ الدَّعْوَة، أَمَّا بدون أساس فما الفَائِدَة إِذا تَرَكَ النَّاسُ الخَمْرَ وَالزِّنَا، تَرَكُوا الرِّبَا، تَرَكُوا جَمِيع المعاصي، وَلَكِنَّهُم يَدْعُون غير الله، ويَعبُدون غير الله؟ فَلاَ فَائِدَة لأَِنَّهُم كُفَّار، ملحدون، هُم تَبَعٌ لأبي لهب وأبي جهل وَعَلَى دينهم؛ لأن أبا جهلٍ وَأَبا لهب وَسَائِر المشركين مُقِرُّون بتوحيد الرُّبُوبِيَّة.

يَجِب أن يُتنَبَّه لِهَذَا الأَمْر؛ فدَعوَتُهم الآنَ فِي الغَالِب قَائِمَة عَلَى مذهب المُعْتَزِلَة، أو عَلَى مذهب عُلَمَاء الكَلاَم، وكُتُبُهم كلها مشحونة بِالأَدِلَّةِ عَلَى تَوْحِيد الرُّبُوبِيَّة؛ كـ «الإِرْشَاد» للجويني، ومنظومة «جوهرة التَّوْحِيد» عِنْدَ الأشاعرة كلها عَن تَوْحِيد الرُّبُوبِيَّة، لا تجد فِيهَا ذكرًا لتوحيد الألوهية.

قَوْله: «بتوحيد العِبَادَة»؛ أي: تَوْحِيد الألوهية، أَمَّا تَوْحِيد الرُّبُوبِيَّة فَلاَ يُدخِل فِي الإِسْلاَم.


الشرح