فجَعَلَ
اللهُ تَعَالَى اتخاذَهم للشفعاء شِركًا، ونَزَّهَ نفسه عَنْهُ؛ لأنه لا يَشفع
عِنْدَهُ أَحَد إلاَّ بِإِذْنِهِ،
****
قَوْله:
«قَالَ الله تَعَالَى: ﴿قُلۡ أَتُنَبُِّٔونَ ٱللَّهَ
بِمَا لَا يَعۡلَمُ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَلَا فِي ٱلۡأَرۡضِۚ﴾ [يُونُس: 18] »؛ أي: لا يَعلم أن لَهُ شركاء ووسطاء وشفعاء،
كما يَتَّخِذ ذَلِكَ الملوك الَّذِينَ لا يَدرُون عَن أَحْوَال الرَّعِيَّة،
فيأتيهم من يُبلِّغهم أن الرَّعِيَّة فِيهِم كَذَا، وأن فُلاَنًا محتاجٌ، ووليُّ
الأَمْر لا يدري، أَمَّا الله جل وعلا فإنه يَعلم كل شَيْء، وَلَيْسَ بِحَاجَة
لِمَن يُبَلِّغه عَن حوائج عِبادِه، وَقَوْله تَعَالَى: ﴿قُلۡ
أَتُنَبُِّٔونَ ٱللَّهَ بِمَا لَا يَعۡلَمُ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَلَا فِي ٱلۡأَرۡضِۚ﴾
[يُونُس: 18] هَذَا إِنْكَار عَلَيْهِمْ، فالذين يَتَّخِذون الشُّفَعَاء والوسائط
كأنهم يَقُولُونَ: إِنَّ اللهَ لا يَعلم إلاَّ بواسطة هَؤُلاَءِ الَّذِينَ
يُخبِرونه بحوائج النَّاس، وَهَذَا تَنَقُّصٌ لله قَالَ تَعَالَى: ﴿سُبۡحَٰنَهُۥ وَتَعَٰلَىٰ
عَمَّا يُشۡرِكُونَ﴾ [يُونُس:
18]، فَنَزَّهَ نفسه عَن هَذَا وسَمَّاهُ شِركًا، مَعَ أَنَّهُم يَقُولُونَ:
هَؤُلاَءِ شفعاء، وَلَمْ يقولوا: هَؤُلاَءِ شركاء، وَمَعَ ذَلِكَ الله سَمَّاهُ
شركًا.
قَوْله:
«فجَعَلَ الله تَعَالَى اتخاذهم للشفعاء
شركًا، ونزَّه نفسه عَنْهُ»، مُجَرَّد اتخاذهم للشفعاء شركًا بالله عز وجل،
وَقَد نَزَّهَ نفسه عَنْهُ، وهم يَقُولُونَ: هَذَا لَيْسَ بشرك، بل هَذَا توسُّلٌ،
ويَحتَجُّون بِالآيَةِ: ﴿يَٰٓأَيُّهَا
ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱبۡتَغُوٓاْ إِلَيۡهِ ٱلۡوَسِيلَةَ﴾ [المَائِدَة: 35]، يَقُولُونَ: الوَسِيلَة أنك تَجعَل
واسطةً بينك وبين الله. الحَقّ أن الوَسِيلَة: هِيَ العِبَادَة الَّتِي تُقرِّب من
الله، هَذِهِ هِيَ الوَسِيلَة، أَمَّا الواسطة فَلاَ دَخْلَ لها فِيمَا بينك وبين
الله، فهُم فَسَّروا الوَسِيلَة بِغَيْر تفسيرها.