فَيَجِب التنبه
لِهَذَا البَلاَء الَّذِي دَخَلَ عَلَى المُسْلِمِينَ، واجتاح كَثِيرًا من بلادهم
وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إلاَّ بِاللهِ، فأصبحت دَعْوَى الرُّسُل غريبة الآنَ؛
فالذي يَدْعُو بدعوة الرُّسُل يُعادى ويُقاطع ويُحارَب، ويقال: هَذَا متشدد
وَهَذَا! وَهَذَا! إِلَى آخِرِهِ، مَعَ أن هَذِهِ هِيَ دعوة الرُّسُل، وَهَذَا
هُوَ الَّذِي أمر الله به سبحانه وتعالى قَالَ تَعَالَى: ﴿وَٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ وَلَا تُشۡرِكُواْ بِهِۦ
شَيۡٔٗاۖ﴾ [النِّسَاء: 36]، فما هُوَ الشِّرْك غير هَذَا!؛
الشِّرْك هُوَ صرف العِبَادَة لغير الله من ذبحٍ، ونذرٍ وركوعٍ وَسُجُود وَدُعَاء
واستغاثة، هَذَا هُوَ الشِّرْك، وهم يَقُولُونَ: لا، الشِّرْك عبَادَة الأَصْنَام،
والأشجار، والأحجار، أَمَّا الأَوْلِيَاء والصالحون فَهَذَا لَيْسَ بشرك.نَقُول
لَهُم: الأَوْلِيَاء والصالحون عبدهم قوم نُوح، وهم أَوَّل الأُمَم عبدوا
الأَوْلِيَاء والصالحين،: ودًّا وسواعًا، ويغوث، ويعوق، ونسرًا، وَمَعَ هَذَا بعث
الله إِلَيْهِمْ أَوَّل الرُّسُل نوحًا عليه السلام ودعاهم إِلَى التَّوْحِيد،
وعاش فِيهِم ألف سنةٍ إلاَّ خَمْسِينَ عامًا، وَلَمْ يستجب لَهُ إلاَّ القليل،
والكثير ناصبوه العَدَاوَة، مَعَ طول بقائه يدعوهم إِلَى الله، وإبدائه وإعادته
عليه الصلاة والسلام، فَلَمَّا تمردوا فِي آخر الأَمْر، قَالَ الله لعبده ورسوله
نُوح عليه السلام: ﴿أَنَّهُۥ لَن يُؤۡمِنَ مِن قَوۡمِكَ إِلَّا مَن
قَدۡ ءَامَنَ﴾ [هُود: 36]، عِنْدَ ذَلِكَ دَعَا عَلَيْهِمْ نُوح عليه
السلام قَالَ: ﴿وَقَالَ نُوحٞ رَّبِّ لَا تَذَرۡ عَلَى ٱلۡأَرۡضِ مِنَ ٱلۡكَٰفِرِينَ
دَيَّارًا ٢٦إِنَّكَ إِن تَذَرۡهُمۡ يُضِلُّواْ عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوٓاْ إِلَّا
فَاجِرٗا كَفَّارٗا ٢٧﴾ [نُوح: 26، 27]، فعند ذَلِكَ أَخذهم الطُّوفَان وغرق
الَّذِينَ كفروا جَمِيعًا عَن آخِرهم، وَلَمْ ينج إلاَّ من ركب مَعَ نُوح عليه
السلام فِي السَّفِينَة الَّتِي أمره الله بإعدادها وصناعتها، وأن يحمل فِيهَا من
كل زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ؛ لأجل بَقَاء النسل فِي الأَرْض.