ويزورُه
النَّاس الَّذِينَ يعرفونه زِيَارَة الأَمْوَات،
****
قَوْله:
«ويزورُه النَّاس الَّذِينَ يعرفونه
زِيَارَة الأَمْوَات»؛ قَد يُبنى عَلَيْهِ، وَلَكِن إِذا كَانَ العِلْم
منتشرًا وَالنَّاس يعرفون التَّوْحِيد، فيزورونه الزِّيَارَة الشرعية ويسلمون
عَلَيْهِ، ويدعون لَهُ، ثُمَّ يذهب هَذَا الجيل، ويأتي مِنْ بَعْدهم قوم جهال
فيظنون أن هَذَا المَيِّت ينفع ويضر. فالبناء عَلَى القبور وسيلة للشرك ولَوْ لَمْ
يفْعَل الشِّرْك عِنْدَ إحداثها؛ فإنه يفْعَل فِي المستقبل كما حَصَلَ لقوم نُوح،
لما صوروا صور الصَّالِحِينَ بقصد الاِقْتِدَاء بهم ومحبتهم وَلَمْ يعبدوهم،
حَتَّى مَاتَ العُلَمَاء وذهب جيل أهل التَّوْحِيد، وجاء جيل جهال، جَاءَهُم
الشَّيْطَان وَقَالَ: إن آباءكم لم يصوروا هَذِهِ الصُّوَر إلاَّ ليعبدوها، وبها
كَانُوا يسقون المطر، فعبدوها من دون الله، وحدث الشِّرْك فِي الأَرْض بِسَبَب
هَذِهِ الصُّوَر.
فالشيطان
يأتي بحيل، ويأتي الإِنْسَان بِطَرِيق النصيحة، فَلاَ يَقُول لَهُ: افعل هَذَا
وخالف الدَّلِيل، بل يَقُول لَهُ: هَذَا من الدّين، وَهَذَا من النصيحة، وَهَذَا
ينشطك عَلَى العِبَادَة، وَهَذَا يحيي ذكر هَذَا المَيِّت فَلاَ يُنسى؛ يأتي
الشَّيْطَان بِهَذِهِ الأُمُور لَهُ قصد آخر، أن تُعبد فِيمَا بعد.
فَلاَ
يُتساهل بِهَذَا الأَمْر، ولننظر ما فعل الشَّيْطَان مَعَ أبينا آدَم؟ قَالَ: ﴿فَوَسۡوَسَ لَهُمَا
ٱلشَّيۡطَٰنُ لِيُبۡدِيَ لَهُمَا مَا وُۥرِيَ عَنۡهُمَا مِن سَوۡءَٰتِهِمَا وَقَالَ
مَا نَهَىٰكُمَا رَبُّكُمَا عَنۡ هَٰذِهِ ٱلشَّجَرَةِ إِلَّآ أَن تَكُونَا مَلَكَيۡنِ
أَوۡ تَكُونَا مِنَ ٱلۡخَٰلِدِينَ ٢٠وَقَاسَمَهُمَآ إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ ٱلنَّٰصِحِينَ
٢١﴾ [الأعراف: 20- 21]،
وَقَالَ: ﴿هَلۡ
أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ ٱلۡخُلۡدِ وَمُلۡكٖ لَّا يَبۡلَىٰ﴾ [طَهَ: 120]، فوقع أَبُونَا آدَم فِي الأَكْل من
الشَّجَرَة فحصل ما حَصَلَ. قَالَ لَهُ: هَذَا شَيْء طيب، وهذه شَجَرَة الخُلْد،
وملك لا يبلى،