﴿وَٱلۡحِجَارَةُ﴾، أي: وتوقد هذه النار بالحجارة، لا توقد بالحطب ولا بالغاز مما توقد به نار الدنيا، وإنما توقد بالحجارة؛ ليكون ذلك أشد في حرها، والحجارة قيل: هي الأصنام التي كانت تُعبَد في الدنيا، كما قال تعالى: ﴿إِنَّكُمۡ وَمَا تَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمۡ لَهَا وَٰرِدُونَ﴾ [الأنبياء: 98]، وقيل: حجارة الكبريت، وهي أشد اشتعالاً والتهابًا، وهذه النار ليست كنار الدنيا، قال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ نَارَكُمْ هَذِهِ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ» ([1]) فإذًا يكون الفرق بين حر نار الدنيا وحر نار الآخرة عظيمٌ والعياذ بالله، ومع شدته فإنه دائمٌ مؤبدٌ: ﴿عَلَيۡهَا مَلَٰٓئِكَةٌ غِلَاظٞ﴾ [التحريم: 6]، هم خزنة جهنم، غلاظ الطباع، ليست فيهم رحمة ﴿شِدَادٞ﴾ [التحريم: 6]، في أجسامهم، فلا مطمع لأهل النار في رحمتهم لأنهم غلاظٌ، ولا مطمع لأهل النار في التغلب عليهم لأنهم شدادٌ ﴿لَّا يَعۡصُونَ ٱللَّهَ مَآ أَمَرَهُمۡ وَيَفۡعَلُونَ مَا يُؤۡمَرُونَ﴾ [التحريم: 6]، ينفذون ما أمرهم الله تعالى به، ولا يتركون منه شيئًا، ولا يحابون أحدًا. إن هذه النار جعل الله لها مذكرات في الدنيا، فكل الهموم والأحزان، والأمراض والأسقام، والجوع والعطش كل ذلك يُذكِّر بما في نار الآخرة مما هو أشد وأبقى، وكذلك الحر في هذه الدنيا، هذا الحر يذكركم بحر نار جهنم، الذي إذا نُسِبَ إلى هذا الحر فإنه لا يكون شيئًا بالنسبة إليه، كما قال تعالى عن المنافقين: ﴿فَرِحَ ٱلۡمُخَلَّفُونَ بِمَقۡعَدِهِمۡ خِلَٰفَ رَسُولِ ٱللَّهِ وَكَرِهُوٓاْ أَن يُجَٰهِدُواْ بِأَمۡوَٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَقَالُواْ لَا تَنفِرُواْ فِي ٱلۡحَرِّۗ قُلۡ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّٗاۚ لَّوۡ كَانُواْ يَفۡقَهُونَ ٨١ فَلۡيَضۡحَكُواْ قَلِيلٗا وَلۡيَبۡكُواْ كَثِيرٗا جَزَآءَۢ بِمَا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ ٨٢﴾ [التوبة: 81، 82]. إذا كنتم
([1]) أخرجه: البخاري رقم (3092)، ومسلم رقم (2843).