×
الخطب المنبرية في المناسبات العصرية الجزء الخامس

أُرِيدُ أَن تَبُوٓأَ بِإِثۡمِي وَإِثۡمِكَ فَتَكُونَ مِنۡ أَصۡحَٰبِ ٱلنَّارِۚ وَذَٰلِكَ جَزَٰٓؤُاْ ٱلظَّٰلِمِينَ ٢٩ فَطَوَّعَتۡ لَهُۥ نَفۡسُهُۥ قَتۡلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُۥ فَأَصۡبَحَ مِنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ ٣٠ [المائدة: 27- 30].

إن الذي حمله على قتل أخيه إنما هو الحسد، حيث رأى أن الله تقبل منه ولم يتقبل من هذا الحاسد، فحمله الحسد على قتل أخيه، وعلى قطيعة الرحم، ظلمًا وعدوانًا، ولهذا يقول صلى الله عليه وسلم: «مَا قُتِلَت نَفْسٌ ظُلْمًا إِلاَّ كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الأَْوَّلِ كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا، لأَِنَّهُ هُوَ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ» ([1]).

والحسد أيضًا - يحمل على الكفر والخروج من الملة، كما حصل لإبليس، حين حسد آدم عليه السلام، لما خلقه الله بيده، وأسجد له ملائكته، وعلمه أسماء كل شيء، فحسده إبليس، وأبي السجود له، لما أمر الله بذلك:﴿وَإِذۡ قُلۡنَا لِلۡمَلَٰٓئِكَةِ ٱسۡجُدُواْ لِأٓدَمَ فَسَجَدُوٓاْ إِلَّآ إِبۡلِيسَ أَبَىٰ وَٱسۡتَكۡبَرَ وَكَانَ مِنَ ٱلۡكَٰفِرِينَ  [البقرة: 34]، فقد حمله الحسد على الكفر، والعياذ بالله.

وكما حمل الحسد اليهود على الكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم، وهم يعلمون أنه رسول الله حقًا ولكنهم كفروا به، حسدًا وبغيًا، قال الله تعالى: ﴿وَدَّ كَثِيرٞ مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ لَوۡ يَرُدُّونَكُم مِّنۢ بَعۡدِ إِيمَٰنِكُمۡ كُفَّارًا حَسَدٗا مِّنۡ عِندِ أَنفُسِهِم مِّنۢ بَعۡدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلۡحَقُّۖ فَٱعۡفُواْ وَٱصۡفَحُواْ حَتَّىٰ يَأۡتِيَ ٱللَّهُ بِأَمۡرِهِۦٓۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ [البقرة: 109]، فالذي حمل اليهود على الكفر برسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم حسدوه، وحسدوا العرب حيث جعل الله النبوة فيهم، وهم يريدون أن تكون النبوة في بني إسرائيل، فهم يعترضون على الله سبحانه وتعالى في فضله وإحسانه، ولهذا قال جل وعلا: ﴿أَمۡ يَحۡسُدُونَ ٱلنَّاسَ عَلَىٰ مَآ ءَاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦۖ [النساء: 54].


الشرح

([1])  أخرجه: البخاري رقم (3157)، ومسلم رقم (1677).