فهذا يدلنا على أن طول العمر إذا استغل في طاعة الله، يكون رفعة لدرجات
صاحبه يوم القيامة، فمن مَنَّ الله عليه وأدرك هذا الشهر العظيم، شهر رمضان، الذي
سيحل بكم قريبًا، وهو ضيف كريم، وموسم عظيم، نوه الله تعالى بشأنه في كتابه
العظيم، فقال جل وعلا: ُ پ ـ لله ْ ّ ِ ُ
َ ٍ ٌ ً ي ى و ه الآية ﴿شَهۡرُ
رَمَضَانَ ٱلَّذِيٓ أُنزِلَ فِيهِ ٱلۡقُرۡءَانُ هُدٗى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَٰتٖ مِّنَ ٱلۡهُدَىٰ وَٱلۡفُرۡقَانِۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ ٱلشَّهۡرَ
فَلۡيَصُمۡهُۖ....﴾[البقرة: 185]، وكان صلى
الله عليه وسلم يبشر أصحابه بقدوم شهر رمضان، ويذكر لهم فضائله ومزاياه؛ من أجل أن
يغتنموه.
فالفرح بدخول شهر رمضان فرح بنعمة الله وفضل الله، قال الله تعالى: ﴿قُلۡ بِفَضۡلِ ٱللَّهِ
وَبِرَحۡمَتِهِۦ فَبِذَٰلِكَ فَلۡيَفۡرَحُواْ هُوَ خَيۡرٞ مِّمَّا يَجۡمَعُونَ﴾ [يونس: 58]، فالفرح بفضل
الله، والفرح برحمة الله فرح محمود ﴿قُلۡ
بِفَضۡلِ ٱللَّهِ وَبِرَحۡمَتِهِۦ فَبِذَٰلِكَ فَلۡيَفۡرَحُواْ﴾ إذ ليس المقصود أن الإنسان
يطول عمره ليتمتع بالشهوات، وإنما المقصود: أن يتزود من الطاعات التي تقربه إلى
الله سبحانه وتعالى، وشهر رمضان فيه مزايا عظيمة على غيره من الشهور:
أولاً: أن الله أنزل فيه القرآن، بمعنى: أن نزول القرآن الكريم ابتدأ من
شهر رمضان، ثم توالى على النبي صلى الله عليه وسلم، ينزل منجمًا، بحسب الوقائع
والحوادث إلى وفاته صلى الله عليه وسلم، فإنزال القرآن في هذا الشهر يدل على عظيم
فضله، وأن الله خصه بهذه المزية العظيمة، ولهذا كان لتلاوة القرآن في شهر رمضان
مزية وزيادة في الأجر على تلاوة القرآن في غيره، وإن كانت تلاوة القرآن مطلوبة كل
وقت، ولكن تلاوته في الشهر الذي أنزل فيه فيها زيادة أجر، وفيها مضاعفة عمل، وكان
جبريل عليه السلام ينزل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كل ليلة من ليالي شهر
رمضان يدارسه القرآن، وكان صلى الله عليه وسلم يتفرغ لتلاوة القرآن في هذا الشهر،
ولذكر الله وعبادته.