فَهَذَا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ التَّصويرِ
مَتَى يَكُونُ، لَكِنْ فِيهِ أَنَّ المَلَكَ يَكْتُبُ رِزْقَهُ وعمَلَه وأجَلهُ
وشَقِيٌّ أَوْ سَعيدٌ، وأمَّا حَديثُ «إِذَا مَرَّ بِالنَّطْفَةِ اثْنَانِ
وَأَرْبَعُونَ يَوْمًا ([1])، إلخ، فَهَذَا الْحَدِيثُ فيه أنَّ تَصوِيرَهَا بعدَ
اثْنتَينِ وَأَرْبَعِينَ لَيلةً، وأنَّه بعدَ تَصْوِيرِهَا وخَلقِ سَمْعِهَا
وَبَصَرِهَا وجِلْدِهَا ولَحْمِهَا وعِظَامِهَا، يَقُولُ المَلَكُ: يَا رَبِّ
أَذَكَرٌ أَمْ أُنْثَي؟ ومعلومٌ أنها لا تَكُونُ عِظَامًا ولمَّا حتَّى تَكونُ
مُضغةً، فَهَذَا مُوافِقٌ لذلكَ الحَديثِ فِي أنَّ كِتَابةَ المَلَكِ تَكُونُ بعدَ
ذَلكَ، إلاَّ أَنْ يُقَالَ: المُرادُ تَقديرُ اللَّحمِ والعِظَامِ.
وقد رُوِيَ هذا الحَديثُ بألْفَاظٍ فِيهَا إِجْمَالٌ بعضُها أَبْيَنُ مِن بَعضٍ؛ فمِن ذَلكَ مَا رَوَاهُ مسلمٌ أيضًا عَنْ حُذَيفةَ سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِنَّ النُّطْفَةَ تَكُونُ فِي الرَّحِمِ أَرْبَعِينَ ليلةً ثم يَتَسَوَّرُ عَلَيْهَا الَّذِي يَخْلُقُهَا فَيَقُولُ: يَا رَبِّ أَذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى فَيَجْعَلُهُ اللهُ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى، ثُمَّ يَقُولُ: يَا رَبِّ سَوِيٌّ أَوْ غَيرُ سَوِيٍّ؟ فيَجْعَلُه اللهُ تَعَالَى سَوِيًّا أَوْ غَيْرَ سَوِيٍّ، ثُمَّ يَقُولُ: يَا رَبِّ: مَا أَجَلُهُ وَخَلْقُهُ؟ ثُمَّ يَجْعَلُهُ شَقِيًا أَوْ سَعِيدًا» ([2])، وفِي لفظٍ لمُسلمٍ قالَ: «يَدْخُلُ المَلَكُ عَلى النُّطفَةِ بَعْدَ مَا تَسْتَقِرُّ فِي الرَّحِمِ بِأَرْبَعِينَ لَيْلَةً أَوْ بِخَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً فَيَقُولُ: يَا رَبِّ أَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ؟ فَيَكْتُبُ، يَا رَبِّ أَذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى؟ فَيَكْتُبُ رِزْقَهُ وَيَكْتُبُ عَمَلَهُ وَأَثَرَهُ وَأَجَلَهُ، ثُمَّ تُطْوَى الصُّحُفُ فَلاَ يُزَادُ فِيهَا وَلاَ يُنْقَصُ» ([3])، فهَذا اللفظُ فيه تقديمُ كِتابةِ السعادةِ والشَّقَاوَةِ، ولكن يُشعِرُ بأن ذلكَ يُكتبُ بِحيثُ مَضَتِ الأربَعُونَ،
([1])أخرجه: مسلم رقم (2645).