ويُبيِّن معناه، ويجوز باتِّفاقِ المُسلِمين أن تُفَسَّر إِحدَى
الآيتَيْن بظاهِرِ الأُخرَى ويُصرَف الكَلامُ عن ظاهِرِه؛ إذ لا مَحذورُ في ذلك
عند أحدٍ من أهل السُّنَّة، وإنَّما سُمِّي تأويلاً وصرفًا عن الظاهر، فذلك
لدَلالَة القُرآنِ عَلَيهِ ولمُوافَقَة السُّنَّة والسَّلَف عليه؛ لأنَّه تفسيرٌ
للقرآن بالقرآن ليس تفسيرًا له بالرَّأي، والمحذور إنَّما هو صَرْفُ القرآن عن
فَحْواهُ بغَيرِ دَلاَلة من الله ورَسُوله والسَّابِقِين.
وللإمام أحمد رحمه الله رسالة في هذا النَّوعِ وهو ذِكْر الآيات
التي يُقال بينها معارَضة، وبيان الجَمْع بينها، وإن كان فيه مخالَفَة لِمَا يظهر
من إحدى الآيتَيْن أو حَمْل إِحداهُما على المجاز، وكَلامُه في هذا أَكثَرُ من
غَيرِه من الأَئِمَّة المُشهُورين؛ فإن كَلامَ غَيرِه أكثَرُ ما يُوجَد في
المَسائِل العَمَلية، وأما المَسائِل العِلْمية فقليلٌ، وكَلامُ أحمَدَ كثيرٌ في
المسائل العِلْمية والعَمَلية لقيام الدَّليل من القرآن والسُّنَّة على ذلك، ومَن
قال: إنَّ مَذهَبَه نَفْيُ ذلك فقد افترى عليه، والله أعلم.
***
أهل الأهواء يَحصُرون
الحقَّ فيما هم عليه
تكلَّم الشيخ رحمه الله في بيانِ أن بَعضَ أهل الأهواء عندهم
شيءٌ من الحقِّ، ولكنَّهم يُنكِرون ما زاد على ما عِندَهم، ويَحصُرون الحقَّ فيما
هم عليه، فقال: قد كتبتُ قبل هذا الكلام في قُربِ العبد من رِّبه وذَهابِه إليه،
وقُربِ الرَّبِّ من عبده وتجلِّي الرَّبِّ له وظُهورِه وما يعتَرِف به
المُتَفَلسِفة من ذلك ثم المُتَكلِّمة ثم أهلُ السُّنَّة، ثم يُثبِت أهلُ
السُّنَّة أشياءَ لا يَعرِفها أهلُ البدعة لِجهْلِهم وضَلالِهم؛ إذ كذَّبوا بما لم
يُحِيطوا بعِلْمه ولمَّا يأتِهِم تَأويلُه.
الصفحة 1 / 458