وأصحابُ أحمَدَ مِثلُ أبي
داود السِّجِسْتانِيِّ وإِبراهِيمَ الحَربِيِّ وعُثمانَ بنِ سعيدٍ الدَّارِمِيِّ
وأبي زُرعَةَ وأبي حاتم والبُخاريِّ ومسلمٍ وبَقِيِّ بن مَخلَدٍ وأبي بكرٍ
الأَثْرَمِ وابنَيْه صالحٍ وعبدِ الله وعبدِ الله بن عبد الرحمن الدَّارِمِيِّ
ومُحمَّدِ بن مُسلمِ بن وَارَةَ، وغير هَؤُلاءِ الذين هم من أكابِرِ أهل العلم
والفِقه والدِّين، ولا يَقبَلون كَلامَ أَحمَدَ ولا غَيرِه إلاَّ بحجة يُبَيِّنها
لهم، وقد سَمِعوا العِلْمَ كما سَمِعه هو، وشَارَكوه في كثيرٍ من شُيوخِه، ومَن لم
يَلحَقوه أَخَذوا عن أصحابه الذين هم نُظَرَاؤُه، وهذه الأمور يَعرِفها مَن يَعرِف
أحوالَ الإسلامِ وعلمائِه.
***
ما يَستَدِلُّ به المُبطِلُ
فهو دليلٌ عَلَيه
قال الشيخ رحمه الله تحتَ عُنوان: «قاعِدَة شَرِيفَة»: وهي أنَّ
جَميعَ ما يحتجُّ به المُبطِل من الأدِلَّة الشرعيَّة والعقليَّة، إنَّما تدلُّ
على الحق لا تدلُّ على قَولٍ باطلٍ، وهذا ظاهِرٌ يَعرِفه كلُّ أحدٍ؛ فإنَّ
الدَّليل الصَّحيح لا يدلُّ إلاَّ على حقٍّ لا على باطلٍ، يبقى الكلامُ في أعيان
الأدِلَّة، وبيانِ انتِفَاء دَلالَتِها على الباطل ودَلالَتِها على الحقِّ، هو
تفصيلُ هذا الإجمال، والمَقصُود هنا شيءٌ آخَرُ، وهو نَفْسُ الدَّليل الذي يحتجُّ
به المُبطِل هو بعَينِه إذا أُعطِي حقَّه، وتميَّز ما فيه من حقٍّ وباطِلٍ، وبيْن
ما يدلُّ عليه، تبيَّن أنَّه يدلُّ على فسادِ قَولِ المُبطِل المحتَجِّ به في
نَفْسِ ما احتجَّ به عليه! وهذا عجيبٌ! قد تأمَّلْتُه فيما شاء الله من الأدِلَّة
السَّمعِيَّة فوجَدْتُه كَذلِكَ.
والمَقصُود هنا: بيانُ أنَّ الأدِلَّة العقليَّة التي يعتَمِدون
عَلَيها في الأصول والعلوم الكُلِّيَّة والإِلَهِيَّة هي كَذلِكَ.
الصفحة 1 / 458