وقوله: {وَنَحۡنُ أَقۡرَبُ إِلَيۡهِ مِنۡ
حَبۡلِ ٱلۡوَرِيدِ﴾[ق: 16]، فإنه سبحانه هو وملائكتُه يعلمون ما تُوسوِسُ به
نفسُ العبدِ من حسنةٍ وسيئة، والهَمُّ في النفسِ قبلَ العملِ، فقوله: {وَنَحۡنُ أَقۡرَبُ إِلَيۡهِ مِنۡ حَبۡلِ ٱلۡوَرِيدِ﴾[ق: 16] هو
قربُ ذواتِ الملائكةِ وقُربُ علمِ الله.
***
بُطلانُ تأويلِ الاستواءِ
بالاستيلاء
ذكر شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ رحمه الله بُطلانَ تأويلِ
المُتَأَولين لاستواءِ اللهِ على عرشِه بأنه الاستيلاءُ من وجوه:
أحدها: أنَّ هذا التفسيرَ
لم يفسِّرْه أحدٌ من السَّلفِ من سائرِ المسلمين من الصحابةِ والتابعين، فإنه لم
يفسِّرْه أحدٌ في الكتبِ الصحيحةِ عنهم، بل أوَّلُ من قالَ ذلك بعضُ الجَهميَّةِ
والمُعتزَلة، كما ذكر أبو الحسنِ الأشعري في كتابِ «المقالات» وكتاب «الإبانة».
الثاني: أن معنى هذه
الكلمةِ مشهور، ولهذا لما سُئِلَ ربيعةُ بنُ أبي عبدِ الرحمن ومالكٌ بن أنس عن
قولِه تعالى: {ٱلرَّحۡمَٰنُ عَلَى ٱلۡعَرۡشِ ٱسۡتَوَىٰ﴾[طه: 5]، قالا: الاستواءُ معلوم، والكيْفُ مجهول،
والإيمانُ به واجب، والسُّؤالُ عنه بدعة. ولا يُريدان الاستواءَ معلوم في اللغةِ
دونَ الآية؛ لأنَّ السؤالَ عن الاستواءِ في الآية.
الثالث: أنه إذا كان
معلومًا في اللغةِ التي نزَل بها القرآنُ كان معلومًا في القرآن.
الرابع: أنه لو لم يكُنْ معنى الاستواءِ في الآيةِ معلومًا، لم يحْتَجْ أنْ يقول: الكيفُ مجهول؛ لأنَّ نفيَ العلمِ بالكيفِ لا ينفي إلاَّ ما قد عُلِم أصلُه، كما نقول: إنَّا نُقرُّ باللهِ ونُؤمنُ به، ولا نعلمُ كيفَ هو.
الصفحة 1 / 458