×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الثاني

الجمعُ بين عُلُوِّ الرَّبِّ وبينَ قربِه من خلقِه

يقولُ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ رحمه الله:

فصلٌ في الجمعِ بين عُلُوِّ الربِّ عز وجل وبينَ قربِه من داعيه وعابديه.

فنقول: وصفَ اللهُ نفسَه في كتابِه وعلى لسانِ رسولِه بالعُلُوِّ والاستواءِ على العرش، والفَوقيةُ في كتابِه في آياتٍ كثيرة، حتى قال بعضُ كبارِ أصحابِ الشافعي: في القرآنِ ألفُ دليلٍ أو أَزْيدُ تدُلُّ على أنَّ اللهَ عالٍ على الخَلْق، وأنه فوقَ عبادِه، وقال غيرُه: فيه ثلاثمائةُ دليلٍ تدُلُّ على ذلك، مثل قولِه: {إِنَّ ٱلَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ[الأعراف: 206]، {وَلَهُۥ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَمَنۡ عِندَهُۥ[الأنبياء: 19] فلو كان المرادُ بأنَّ معنى «عنده» في قدرتِه كما يقولُ الجَهميَّة؛ لكان الخلقُ كلُّهم عنده، كما أنَّ الاستواءَ لو كان المرادُ به الاستيلاء؛ لكان مستويًا على جميعِ المخلوقات، ولكان مستويًا على العرشِ قبلَ أنْ يخلُقْه دائمًا.

والاستواءُ مختصٌّ بالعرشِ بعد خلقِ السماواتِ والأرض، كما أخبرَ بذلك في كتابِه، فدَلَّ على أنه تارةً مُسْتويًا عليه، وتارةً لم يكنْ مُستويًا عليه، ولهذا كان العُلُوُّ من الصفاتِ المعلومةِ بالسمعِ مع العقلِ عندَ أئمةِ المُثبِتة، وأمَّا الاستواءُ على العرشِ فمِن الصفاتِ المعلومةِ بالسمعِ لا بالعقل، والمقصودُ أنه تعالى وصَفَ نفسَه أيضًا بالمعيَّةِ والقُربِ والمعيَّةُ معيَّتان: عامة وخاصة.

فالأولى كقولِه: {وَهُوَ مَعَكُمۡ أَيۡنَ مَا كُنتُمۡۚ[الحديد: 4]، والثانية كقوله: {إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ وَّٱلَّذِينَ هُم مُّحۡسِنُونَ[النحل: 128]، إلى غيرِ ذلك من الآيات، وأما القُرْبُ فهو كقولِه: {فَإِنِّي قَرِيبٌۖ[البقرة: 186]، وقوله:


الشرح