غنيٌّ عنهم، وليس هو
كالمَلِكِ الذي يفعلُ أعوانه بقدرةٍ وحركةٍ يَستَغنون بها عنه، فكان قولُه لما فعلَه
بملائكتِه: نحن فعلْنا، أحق وأولى من قولِ بعضِ المُلُوك، واللهُ أعلم.
***
توجيهُ الإتيانِ بضميرِ
الجَمْعِ في أفعالِ اللهِ سبحانه
يتكلَّمُ الشيخُ رحمه الله عن وُرودِ لفظِ الجَمْعِ في القرآنِ
في أفعالِ اللهِ سبحانه كقولِه: {وَلَقَدۡ أَنزَلۡنَآ﴾[البقرة: 99] {وَنَحۡنُ أَقۡرَبُ﴾[ق: 16] {نَتۡلُواْ عَلَيۡكَ﴾[القصص: 3] وغير ذلك فيقول: وهذا اللفظُ من المُتشَابِه الذي
ذكرَ أنَّ النَّصارى احتجُّوا على النبيِّ صلى الله عليه وسلم على التَّثْليثِ
لمَّا وجدوا في القرآن: {إِنَّا فَتَحۡنَا لَكَ﴾[الفتح: 1] ونحو ذلك؛ فذَمَّهمُ اللهُ حيثُ تركُوا المُحْكَمَ
من القرآن، أنَّ الإِلهَ واحد، وتمسَّكُوا بالمُتشابِه الذي يحتملُ الواحدُ الذي
معه نظيرَه، ويحتملُ الواحدُ الذي معه غيرَه من أعوانِه الذين هُم عبيدُه وخلقُه،
واتَّبعوا المُتشابِهَ يَبتغون بذلك الفِتْنة، وهي فتنةُ القلوبِ بتوَهُّمِ آلهةٍ
مُتَعددة، وابتغاءَ تأويلِه وما يعلمُ تأويلَه إلاَّ الله، والراسخون في العلم،
فإنهما قولان للسَّلفِ وكلاهما حَق.
فمن قال: إنَّ الراسخين في العلمِ لا يعلمون تأويلَه؛ قال: إنَّ تأويلَه ما يَؤُول إليه، وهو ما أخبر القرآنُ عنه في قولِه: «إنا» و«نحن»، هم الملائكةُ الذين هم عبادُ الرحمنِ الذين يُدبِّرُ بهم أمرَ السماءِ والأرض، وأولئك لا يعلمُ عددَهم إلاَّ الله، ولا يعلمُ صفتَهم غيرُه، ولا يعلمُ كيفَ يأمرُهم ويفعلون إلاَّ هو، قال تعالى: {وَمَا يَعۡلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَۚ﴾[المدثر: 31]، وكلٌّ من الملائكةِ وإنْ علِم حالَ نفسِه وغيرِه فلا يعلَمُ جميع الملائكة، ولا جميع ما خلَقَ اللهُ مِنْ ذلك.
الصفحة 1 / 458