ومن قال: إنَّ الراسخين في العِلْمِ يعلمون تأويلَه؛ قال:
التأويلُ هو التفسير، وهو إعلامُ الناسِ بالخطاب، فالراسخون في العلْمِ يعلمُون
تفسيرَ القرآنَ كُلَّه، وما بيَّنَ اللهُ من معانيه كما استفاضَت بذلك الآثارُ عن
السلف، فالراسخون في العِلمِ يعلمون قولَه: «نحن»؛ أنَّ اللهَ فعل ذلك بملائكتِه،
وإن كانوا لا يعرفون عددَ الملائكة، ولا أسماءَهم ولا صفاتِهم وحقائقَ ذواتِهم،
ليس الراسخون كالجُهَّالِ الذين لا يعرفون: «إنا» «نحن» بل يقولون ألفاظًا لا
يعرفون معانيها، أو يجوزون أن تكونَ الآلهةُ ثلاثةً متعددةً أو واحدًا لا أعوانَ
له.
ومن هذا قولُ اللهِ تعالى: {ٱللَّهُ يَتَوَفَّى ٱلۡأَنفُسَ﴾[الزمر: 42]؛ فإنه تعالى يتوفَّاها برُسلِه كما قال: {تَوَفَّتۡهُ رُسُلُنَا﴾[الأنعام: 61]، {يَتَوَفَّىٰكُم مَّلَكُ ٱلۡمَوۡتِ﴾[السجدة: 11]؛ فإنه
يتوفَّاها برُسلِه الذين مُقدَّمُهم مَلَكُ الموتِ، وقولُه: {فَإِذَا قَرَأۡنَٰهُ فَٱتَّبِعۡ قُرۡءَانَهُۥ﴾[القيامة: 18]
هو قراءةُ جبريل عليه السلام عليه، واللهُ قرَّأَه بواسطةِ جبريلَ كما قال: {أَوۡ يُرۡسِلَ رَسُولٗا فَيُوحِيَ بِإِذۡنِهِۦ مَا يَشَآءُۚ﴾[الشورى: 51]
فهو مكلِّمٌ لمحمدٍ بلسانِ جبريلَ وإرسالِه إليه، وهذا ثابِتٌ للمؤمنين كما قال
تعالى: {قَدۡ نَبَّأَنَا ٱللَّهُ مِنۡ أَخۡبَارِكُمۡۚ﴾[التوبة: 94]،
وإنباء اللهِ لهم إنَّما يكونُ بواسطةِ محمدٍ إليهم.
وكذلك قولُه: {قُولُوٓاْ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ
وَمَآ أُنزِلَ إِلَيۡنَا﴾[البقرة: 136]، {وَمَآ أَنزَلَ عَلَيۡكُم مِّنَ ٱلۡكِتَٰبِ وَٱلۡحِكۡمَةِ ِ﴾[البقرة: 231]،
فهو أنزل على المؤمنين بواسطة محمد.
وكذلك ذواتُ الملائكةِ تقرُبُ من ذاتِ المُحتضِر، قوله: {وَنَحۡنُ أَقۡرَبُ إِلَيۡهِ مِنۡ حَبۡلِ ٱلۡوَرِيدِ﴾[ق: 16]؛ فإنه سبحانه هو وملائكتُه يعلمون ما تُوسوِسُ به نفسُ العبدِ كما ثبت في «الصحيحين»: «إذا هَمَّ العَبْدُ