×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الثاني

ومن قال: إنَّ الراسخين في العِلْمِ يعلمون تأويلَه؛ قال: التأويلُ هو التفسير، وهو إعلامُ الناسِ بالخطاب، فالراسخون في العلْمِ يعلمُون تفسيرَ القرآنَ كُلَّه، وما بيَّنَ اللهُ من معانيه كما استفاضَت بذلك الآثارُ عن السلف، فالراسخون في العِلمِ يعلمون قولَه: «نحن»؛ أنَّ اللهَ فعل ذلك بملائكتِه، وإن كانوا لا يعرفون عددَ الملائكة، ولا أسماءَهم ولا صفاتِهم وحقائقَ ذواتِهم، ليس الراسخون كالجُهَّالِ الذين لا يعرفون: «إنا» «نحن» بل يقولون ألفاظًا لا يعرفون معانيها، أو يجوزون أن تكونَ الآلهةُ ثلاثةً متعددةً أو واحدًا لا أعوانَ له.

ومن هذا قولُ اللهِ تعالى: {ٱللَّهُ يَتَوَفَّى ٱلۡأَنفُسَ[الزمر: 42]؛ فإنه تعالى يتوفَّاها برُسلِه كما قال: {تَوَفَّتۡهُ رُسُلُنَا[الأنعام: 61]، {يَتَوَفَّىٰكُم مَّلَكُ ٱلۡمَوۡتِ[السجدة: 11]؛ فإنه يتوفَّاها برُسلِه الذين مُقدَّمُهم مَلَكُ الموتِ، وقولُه: {فَإِذَا قَرَأۡنَٰهُ فَٱتَّبِعۡ قُرۡءَانَهُۥ[القيامة: 18] هو قراءةُ جبريل عليه السلام عليه، واللهُ قرَّأَه بواسطةِ جبريلَ كما قال: {أَوۡ يُرۡسِلَ رَسُولٗا فَيُوحِيَ بِإِذۡنِهِۦ مَا يَشَآءُۚ[الشورى: 51] فهو مكلِّمٌ لمحمدٍ بلسانِ جبريلَ وإرسالِه إليه، وهذا ثابِتٌ للمؤمنين كما قال تعالى: {قَدۡ نَبَّأَنَا ٱللَّهُ مِنۡ أَخۡبَارِكُمۡۚ[التوبة: 94]، وإنباء اللهِ لهم إنَّما يكونُ بواسطةِ محمدٍ إليهم.

وكذلك قولُه: {قُولُوٓاْ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيۡنَا[البقرة: 136]، {وَمَآ أَنزَلَ عَلَيۡكُم مِّنَ ٱلۡكِتَٰبِ وَٱلۡحِكۡمَةِ ِ[البقرة: 231]، فهو أنزل على المؤمنين بواسطة محمد.

وكذلك ذواتُ الملائكةِ تقرُبُ من ذاتِ المُحتضِر، قوله: {وَنَحۡنُ أَقۡرَبُ إِلَيۡهِ مِنۡ حَبۡلِ ٱلۡوَرِيدِ[ق: 16]؛ فإنه سبحانه هو وملائكتُه يعلمون ما تُوسوِسُ به نفسُ العبدِ كما ثبت في «الصحيحين»: «إذا هَمَّ العَبْدُ


الشرح