بحَسَنَةٍ فَلَمْ يعمَلْها قالَ
اللهُ لملائكتِه: اكتبوها له حَسَنَة، فإنْ عمِلَها قال: اكْتُبُوها لَه عَشْرَ
حَسَنَاتٍ، وإذا هَمَّ بسَيِّئة...» ([1]) إلى آخر الحديث، فالملائكةُ يعلمون ما يَهُمُّ به من
حَسَنة وسيئة، والهَمُّ إنَّما يكونُ في النفْسِ قبلَ العمل، وأبْلَغُ من ذلك أنَّ
الشيطانَ يجري من ابنِ آدمَ مجْرى الدم، وهو يُوَسْوس له بما يَهْواه فيعلَمُ ما
تهواه نفسُه، فقوله: {وَنَحۡنُ أَقۡرَبُ إِلَيۡهِ مِنۡ
حَبۡلِ ٱلۡوَرِيدِ﴾[ق: 16] هو قُربُ ذَواتِ الملائكة، وقُربُ علمِ اللهِ
منه، وهو ربُّ الملائكةِ والرُّوح، وهم لا يعلمون شيئًا إلاَّ بأمرِه فذاتُهم
أقربُ إلى قلبِ العبدِ من حبلِ الوَريد، فيجوزُ أنْ يكونَ بعضُهم أقربَ إليه من
بعْض، ولهذا قال في تمامِ الآية: {إِذۡ يَتَلَقَّى ٱلۡمُتَلَقِّيَانِ
عَنِ ٱلۡيَمِينِ وَعَنِ ٱلشِّمَالِ قَعِيدٞ ١٧ مَّا يَلۡفِظُ مِن قَوۡلٍ إِلَّا
لَدَيۡهِ رَقِيبٌ عَتِيدٞ ١٨﴾[ق: 17- 18]، وهكذا قوله: {أَمۡ يَحۡسَبُونَ أَنَّا لَا
نَسۡمَعُ سِرَّهُمۡ وَنَجۡوَىٰهُمۚ بَلَىٰ وَرُسُلُنَا لَدَيۡهِمۡ يَكۡتُبُونَ﴾[الزخرف: 80]؛ فقوله: «إذ» ظرف فأخبر: {أَقۡرَبُ إِلَيۡهِ مِنۡ حَبۡلِ ٱلۡوَرِيدِ﴾[ق: 16]، حينَ يتلقَّى المُتَلقِّيان ما يقولُ عن اليمينِ قعيدٌ
وعن الشِّمال قعيد، ثم قال: {مَّا يَلۡفِظُ مِن قَوۡلٍ إِلَّا
لَدَيۡهِ رَقِيبٌ عَتِيدٞ﴾[ق: 18]؛ أي: شاهدٌ لا يغيب.
فهذا كلُّه خبرٌ عن الملائكةِ فقولُه: {فَإِنِّي قَرِيبٌۖ﴾[البقرة: 186]، وهو أقربُ إلى أحدِكم من عُنُقِ راحلتِه، فهذا إنَّما جاءَ في الدعاءِ لم يذكرْ أنه قريبٌ من العِبادِ في كلِّ حال، وإنما ذكر ذلك في بعضِ الأحوال، وقد قال في الحديث ([2]): «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ» ([3])،
([1])أخرجه: البخاري رقم (6126)، ومسلم رقم (131).