وقال تعالى {وَٱسۡجُدۡۤ وَٱقۡتَرِب۩﴾[العلق: 19]، والمُرادُ القُربُ من الدَّاعي في سجودِه، كما
قال: «وأمَّا السُّجُود فأكثِرُوا فيهِ من
الدُّعاءِ فقمن أن يُستَجابَ لكم» ([1]) فأمَرَ بالاجتهادِ في الدعاءِ في السجودِ مع قُربِ
العبدِ من ربِّه وهو سَاجد، وقد أَمرَ المُصلِّي أن يقولَ في سجودِه: «سُبْحَانَ رَبِّيَ الأَْعْلَى» ([2]) رواه أهلُ السنن وكذلك حديثُ ابنِ مسعود: «إذا سَجَدَ العبدُ فقال في سجودِه: سبحانَ
ربيَّ الأعْلى ثلاثًا فقد تَمَّ سجودُه ذلك أدناه» ([3]) رواه أبو داود، وفي حديث حذيفة الذي رواه مسلم أنه صلى
الله عليه وسلم صلَّى بالليلِ صلاةً قَرأَ فيها بالبقرةِ والنساءِ وآلِ عمرانَ ثم
ركَعَ ثم سجدَ نحوَ قراءتِه يقولُ في ركوعِه: «سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ»، وفي سجودِه: «سُبْحَانَ رَبِّيَ الأَْعْلَى» ([4]).
وذلك أنَّ السجودَ غايةُ الخُضوعِ والذُّلِّ من العبد، وغايةُ تسفيله وتَوَاضُعِه بأشرفِ شيءٍ فيه، وهو وجهُه بأنْ يضعَه على التراب، فناسَبَ في غايةِ سُفُولِه أنْ يصِفَ الرَّبَّ بأنَّه الأَعلى، والأعلى أبلغُ من العلي، فإنَّ العبدَ ليس له من نفسِه شيء، هو باعتبارِ نفسِه عدمُ محْض، وليس له من الكبرياءِ والعظمةِ نصيب، وكذلك في العُلُو في الأرضِ ليس للعبدِ فيه حَق، فإنه سبحانه ذَمَّ من يُريدُ العُلُوَّ في الأرضِ كفرعونَ وإبليس، وأمَّا المؤمنُ فيحصُلُ له العُلُوُّ بالإيمانِ لا بإرادتِه له - يعني العُلُو - كما قال تعالى: {وَلَا تَهِنُواْ وَلَا تَحۡزَنُواْ وَأَنتُمُ ٱلۡأَعۡلَوۡنَ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ﴾[آل عمران: 139]، فلمَّا كان السجودُ غايةَ سُفُولِ العبدِ وخضوعِه، سبَّحَ اسمَ
([1])أخرجه: مسلم رقم (479).