دخلَ حرَّان وأخذَ عن فلاسفةِ الصابئين تمام فلسفتِه، وأخذها
الجهمُ أيضًا فيما ذكرَه الإمامُ أحمدُ وغيرُه لمَّا ناظَرَ السمنية بعضَ فلاسفةِ
الهند، وهم الذين يجحدون من العلومِ ما سِوى الحِسِّيَّات؛ فهذه أسانيدُ جهم ترجعُ
إلى اليهودِ والصَّابئين والمشركين، والفلاسفةُ الضالون هم إمَّا من الصابئين
وإمَّا من المشركين.
***
خطرُ الكتبِ الأجنبيةِ على
العَقيدة
بيَّنَ الشيخُ ما سبَّبَه تعريبُ الكتبِ الرُّوميَّةِ
واليُونانية؛ أي: ترجمتُها إلى العربيةِ في عهْدِ المَأْمون الخليفة العباسي، وما
سبَّبَه ذلكَ من دخولِ علمِ الكَلامِ وقواعدِ المَنْطقِ في كُتُبِ العقائد،
والاستغناء بذلك عن الأدلةِ الشَّرعيةِ في إثباتِ مسائلِ العقيدة، وهذه مأسَاةٌ
تَتَكرَّرُ كلَّ وقتٍ حينما يأخذُ المسلمون بعلومِ الكفارِ في أمورِ الدِّين،
والحكمِ بين الناس، أما الأَخْذُ بعلومِ الكفارِ في المجالِ الصِّناعي والعَسْكري
الذي لا يتَنَافى مع الدِّين؛ فلا بَأْسَ به.
قال الشيخُ رحمه الله: ثم لما عُرِّبَت الكتبُ الرُّوميةُ واليُونانيةُ
في حدودِ المائةِ الثانية؛ زاد البلاء مع ما أَلْقَي الشيطانُ في قلوبِ
الضُّلاَّل، ابتداء، من جنسِ ما ألقاه في قلوبِ أشباهِهم، ولمَّا كان في حدودِ
المائةِ الثانيةِ انتشرتْ هذه المقالةُ التي كان السلفُ يُسمُّونها مقالةَ
الجَهْمِيَّة، بسببِ بِشْرٍ بنِ غيَّاث المريسي وطبقته، وكلامُ الأئمةِ مثلُ مالكٍ
وسفيانَ بنِ عُيَيْنة وابنِ المباركِ وأبي يوسف والشافعي وأحمدَ وإسحاقَ
والفُضَيْلِ بنِ عياضٍ وبِشْرٍ الحَافي وغيرِهم كثير في ذَمِّهِم وتَضْلِيلهم.
الصفحة 1 / 458