×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الثاني

وهذه التأوِيلاتُ المَوْجودةُ اليومَ بأيدِي الناسِ مثلِ أكثرِ التأويلاتِ التي ذكرَها أبو بكرٍ بنُ فورك في كتابِ التَّأويلات، وذكرَها أبو عبدِ اللهِ محمدٌ بنُ عمرَ الرَّازي في كتابِه الذي سمَّاه: «تأسِيسُ التَّقْدِيس» ويوجدُ كثيرٌ منها في كلامِ خلقٍ كثيرٍ غيرِ هؤلاء، مثلُ أبي عليٍّ الجِبَّائِي وعبدِ الجَبَّارِ بنِ أحمدَ الهمذاني وأبي الحُسَينِ البَصْري وأبي الوفاء بن عقيل وأبي حامد الغزالي وغيرهم، وهي بعينِها تأويلاتُ بِشْرٍ المَرِيسي التي ذكرَها في كتابِه، وإن كان قد يوجدُ في كلامِ بعضِ هؤلاءِ ردُّ التأويلِ وإبطالِه أيضًا، ولهم كلامٌ حسنٌ في أشياء، فإنما بينت أنَّ عينَ تأويلاتِهم هي عينُ تأويلاتِ بِشْرٍ المَريسي، ويدُلُّ على ذلك كتابُ الردِّ الذي صنَّفَه عثمانُ بنُ سعيدٍ الدَّرَامي، أحدُ الأئمةِ المشاهيرِ في زمانِ البُخَاري صنَّفَ كتابًا سمَّاه: ردُّ عثمانَ بنِ سعيد، على الكاذبِ العنيد، فيما افتري على اللهِ في التَّوحيد، حَكَى فيه هذه التأويلاتِ بأعيانِها عن بِشْرٍ المَرِيسي بكلامٍ يَقتضي أنَّ المَرِيسيَ أقعدُ بها وأعلمُ بالمنقولِ والمعقولِ من هؤلاء المتأخرين، الذين اتَّصلتْ إليهم من جِهتِه وجِهةِ غيره، ثم ردَّ ذلكَ عثمانُ بنُ سعيدٍ بكلامٍ إذا طالَعَه العاقلُ الذي علِمَ حقيقةَ ما كان عليه السلف، وتبيَّنَ له ظهورُ الحُجَّةِ لطريقِهم وضَعْفُ حُجَّةِ من خالَفَهم، ثُمَّ إنَّ رأْيَ الأئمةِ - أئمةِ الهدى - على ذَمِّ المَرِيسية، وأكثرُهُم كفَّرُوهم أو ضَلَّلُوهم، وعلم أنَّ هذا القولَ السَّاري في هؤلاءِ المُتَأخِّرين هو مذهبُ المَريسي؛ تبيَّن له الهُدي لمنْ أرادَ اللهُ هدايتَه ولا حولَ ولا قوةَ إلاَّ بالله.

وكلامُ السلفِ في هذا البابِ موجودٌ في كتبٍ كثيرةٍ لا يُمكِنُ أن نَذْكرَها هَهُنا إلاَّ قليلاً منها؛ مثل كتابِ السُّنَنِ لللالكائي والإبانةِ لابنِ


الشرح