ومن وجهٍ آخر: إذا نظرتَ إليهم بعينِ القدر والحيرة مستولية
عليهم والشيطان مستحوذ عليهم، رحمتهم وترفقت بهم، أوتوا ذكاءً وما أوتوا ذكاءً
وأعطوا فهوما وما أعطوا علومًا، وأعطوا سمعًا وبصرًا وأفئدة {فَمَآ أَغۡنَىٰ عَنۡهُمۡ سَمۡعُهُمۡ وَلَآ أَبۡصَٰرُهُمۡ وَلَآ أَفِۡٔدَتُهُم
مِّن شَيۡءٍ إِذۡ كَانُواْ يَجۡحَدُونَ بَِٔايَٰتِ ٱللَّهِ وَحَاقَ بِهِم مَّا
كَانُواْ بِهِۦ يَسۡتَهۡزِءُونَ﴾[الأحقاف: 26]، ومن كان عليمًا بهذه
الأمور تبيَّنَ له بذلك حذقُ السلفِ وعلمُهم وخبرتُهم، حيثُ حذروا عن الكلامِ
ونهوا عنه وذمُّوا أهلَه وعابُوهم، وعلِمَ أنَّ من ابتَغى الهُدى من غيرِ الكِتابِ
والسُّنَّةِ لم يَزدَدْ من اللهِ إلاَّ بعدًا، فنسألُ اللهَ العظيمَ أن يهديَنا
إلى صراطِه المستقيمِ، صراطِ الذين أنعمَ عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضَّالين،
آمين.
***
عُلُوُّ اللهِ على خلقِه
واستواؤُه علي عرشِه
سُئِلَ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيمية رحمه الله عن عُلُوِّ اللهِ
تعالى واستوائِه على عرشِه؟ فأجاب بقولِه:
قد وصفَ اللهُ تعالى نفسَه في كتابِه وعلى لسانِ رسولِه بالعُلُوِّ والاستواءِ على العرش والفَوقيةِ في كتابِه في آياتٍ كثيرة، حتى قال بعضُ أكابرِ أصحابِ الشَّافعي: في القرآنِ ألفُ دليلٍ أو أزْيد تدُلُّ على أنَّ اللهَ تعالى عالٍ على الخَلْق، وأنه فوقَ عبادِه، وقال غيرُه: فيه ثَلاَثمائة دليلٍ تدُلُّ على ذلك، مثل قولِه تعالى: {إِنَّ ٱلَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ لَا يَسۡتَكۡبِرُونَ﴾[الأعراف: 206]، {وَلَهُۥ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَمَنۡ عِندَهُۥ﴾[الأنبياء: 19]، فلو كان المُرادُ بأن «عنده» كما يقولُ الجهميُّ في قدرتِه، لكان الخَلْقُ كلُّهم عندَه فإنهم كلَّهم في قدرتِه ومشيئَتِه، ولمْ يكُنْ فرقٌ
الصفحة 1 / 458