بينَ من في السماواتِ ومن في الأرضِ ومن عندَه، كما أنَّ
الاستواءَ على العرشِ لو كان المرادُ به الاستيلاءَ عليه، لكانَ مستويًا على جميعِ
المخلوقات، ولكان مستويًا على العرشِ قبْلَ أنْ يخلُقَه دائمًا.
والاستواءُ مختصٌّ بالعرشِ بعد خلقِ السماواتِ والأرضِ كما
أخبرَ بذلك في كتابِه، فدَل على أنَّه تارةً كان مستويًا عليه، وتارةً لم يكُنْ
مستويًا عليه، ولهذا كان العُلُوُّ من الصفاتِ المعلومةِ بالسمْعِ والعقلِ والشرعِ
عند الأئمةِ المثبتة، وأما الاستواءُ على العرشِ فمن الصفاتِ المعلومةِ بالسمع فقط
دونَ العقل، والمقصودُ أنه تعالى وصَفَ نفسَه بالمعيَّةِ والقُرْب، والمعيَّةُ
معيَّتان: عامةٌ وخاصة، فالأولى في قولِه: {وَهُوَ مَعَكُمۡ أَيۡنَ مَا كُنتُمۡۚ﴾[الحديد: 4]، والثانية: قوله تعالى: {إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ
وَّٱلَّذِينَ هُم مُّحۡسِنُونَ﴾[النحل: 128]، إلى غيرِ ذلك من الآيات.
وأما القُربُ فهو كقوله: {فَإِنِّي قَرِيبٌۖ﴾[البقرة: 186]،
وقوله: {وَنَحۡنُ أَقۡرَبُ إِلَيۡهِ مِنكُمۡ﴾[الواقعة: 85]،
وافترقَ الناسُ في هذا المقامِ أربعَ فرَق: فالجَهميَّةُ النُّفاةُ الذين يقولون:
هو لا داخلُ العالَمِ ولا خارجُ العالَم، ولا فوقَ ولا تحت، لا يقولون بعلوِّه ولا
بفوقيَّته، بل الجميعُ عندَهم مُتَأَوِّلٌ أو مُفَوِّض، وجميعُ أهلِ البدعِ قد
يتمسَّكون بنصوصٍ كالخوارجِ والشيعة والقدرية والمُرجئة وغيرِهم، إلاَّ الجهمية
فإنه ليس معهم عن الأنبياءِ كلمةٌ واحدةٌ تُوافِقُ ما يقولونه من النَّفي، ولهذا
قال ابنُ المباركِ ويوسفُ بنُ أسباط: الجهميَّةُ خارجون عن الثلاثِ والسبعين فرقة،
وهذا أعْدَلُ الوَجهينِ لأصحابِ أحمدَ ذكرَهما أبو عبدِ اللهِ بن حامد وغيره.
ثم ذكرَ رحمه الله بقيَّةَ الفِرَقِ المُنحرفةِ في هذا المقام،
إلى أن قال:
والرابعُ: سلفُ الأمةِ وأئِمَّتُها وأئِمةُ أهلِ العلمِ والدِّينِ من شيوخِ