وغضبٌ إلاَّ ما يقوم بقلبٍ هو جسمٌ ولا نَعقِل وجهًا ويَدًا
إلاَّ ما هو بعضُ جسمٍ، قيل لهم: ولا نعقل عِلْمًا إلاَّ ماهو قائمٌ بجسمٍ، ولا
قدرةً إلاَّ ماهو قائمٌ بجسمٍ، ولا نعقل سمعًا وبصرًا وكلامًا إلاَّ ماهو قائم
بجِسمٍ؛ فلِمَ فرَّقْتُم بين المتماثِلَيْن، وقلتُم: إنَّ هَذِه يُمكِن قِيامُها
بغيرِ جسمٍ، وهذه لا يُمكِن قِيامُها إلاَّ بغَيرِ جسمٍ؟! وهما في المعقول سواءٌ!
***
بيان مقالات الطَّوائِفِ
قال الشيخ رحمه الله في جُمَل مقالات الطوائف وموادِّهم: أمَّا
باب الصفات والتوحيد؛ فالنفيُ فيه في الجُملَة قَولُ الفَلاسِفَة والمُعتَزِلَة
وغَيرِهم من الجَهمِيَّة، وإن كان بين الفَلاسِفَة والمُعتَزِلَة نَوعُ فَرْقٍ،
وكَذلِكَ بين البغداديِّين والبصريِّين اختلاف في السمع والبصر، هل هو علم أو
إدراك؟ أو الإدراك غير العلم؟ وهذا المذهب الذي يسمِّيه السَّلَف قَولَ جَهمٍ؛
لأنه أوَّلُ مَن أَظهَرَه في الإسلام، وقد بيَّنْتُ أنه مُتَلَقًّى من الصَّابِئَة
الفَلاسِفَة والمُشرِكين البَراهِمَة واليهود السَّحَرة.
والإثبات في الجُملَة مَذهبُ الصِّفاتِيَّة من الكُلاَّبِيَّة
والأَشعَرِيَّة والكَرَّامِيَّة وأهلِ الحديث وجُمهُور الصُّوفيَّة
والحَنبَلِيَّة، وأكثرِ المالِكِيَّة والشَّافعيَّة إلاَّ الشاذَّ منهم، وكثير من
الحَنَفية أو أَكثَرِهم، وهو قول السَّلَفية، لكنَّ الزيادة في الإثبات إلى حدِّ
التشبيه هو قَولُ الغَالِية من الرَّافضة، ومن جُهَّال أهل الحديث وبعض المنحرفين.
وبين نفي الجَهمِيَّة وإثبات المشبِّهة مَراتِبُ، فالأَشعَرِيَّة وافَقَ بَعضُهم في الصفاتِ الخَبَرية،
وجُمهُورهم وافَقَهم في الصفاتِ الحَديثِيَّة، وأمَّا في الصِّفات القرآنية فلهم
قولان؛ فالأشعريُّ والبَاقِلاَّنِيُّ وقدماؤهم
الصفحة 1 / 458