يُثبِتونها، وبَعضُهم
يُقِرُّ ببعضِها، وفيهم تجهُّمٌ من جِهَةٍ أُخرى؛ فإن الأشعريَّ شَرِب كَلامَ
الجُبَّائِيِّ شَيخِ المُعتَزِلَة، ونسبته في الكلام إليه متَّفَق عليها عند
أصحابه وغيرِهِم، وابن الباقِلاَّنِيِّ أكثرُ إثباتًا في «الإبانة»، وبعد ابن الباقِلاَّنِيِّ
ابن فُورَكَ فإنَّه أَثبَت بعض ما في القرآن، وأما الجُوَيْنِيُّ ومن سلك طريقته
فمالوا إلى مذهب المُعتَزِلَة، فإنَّ أبا المعالي كان كثيرَ المُطالَعة لكُتب أبي
هاشمٍ قليلَ المَعرِفَة بالآثارِ فأثَّر فيه مجموعُ الأمرَيْن، والقُشَيْرِيُّ
تلميذ ابنِ فُورَكَ؛ فلهذا تغلَّظَ مذهب الأشعريِّ من حينِئذٍ، ووقع بينه وبين
الحنبلية تنافُرٌ بعد أن كانوا مُتَوالِفَيْن أو مُتسالِمَيْن.
وأما الحنبليَّة فأبو عبد الله بن حامدٍ قويٌّ في الإثبات،
جادٌّ فيه يَنزِع لمسائل الصِّفات الخَبَرية، وسلك طريقَه صاحِبُه القاضي أبو
يعلى، لكنَّه أَليَنُ منه، وأبعَدُ عن الزِّيادة في الإِثباتِ.
وأمَّا أبو عبد الله بن بَطَّةَ فطَريقَتُه طريقة المُحدِّثين
المَحضةُ كأبي بَكْرٍ الآجُرِّيِّ في «الشَّريعة» واللاَّلَكائِي في «السنن»
والخلاَّل مِثلُه قريبٌ منه، وإلى طريقته يميل الشيخ أبو مُحمَّد ومتأخِّرو
المحدثين.
وأما التَّميميون كأبي الحسن وابن أبي الفضل وابن رِزْقِ الله
فهم أَبعَدُ عن الإثبات، وأقرَبُ إلى مُوافَقة غَيرِهم، وأَليَنُ لهم؛ ولهذا
تَتْبَعُهم الصوفية ويميل إليهم فُضَلاء الأَشعَرِيَّة كالباقِلاَّنِيِّ
والبَيهَقِيِّ؛ فإن عقيدة أحمد التي كتبها أبو الفضل هي التي اعتمدها البيهقيُّ،
مع أنَّ القوم ماشُون على السُّنَّة.
وأما ابن عَقِيلٍ فإذا انحرف وقع في كَلامِه مادَّة قوية مُعتَزِلِيَّة في الصفات والقدر، وكرامات الأولياء؛ بحيث يكون الأشعريُّ أحسنَ قَولاً