انتهى كلامُ الشيخِ، وقد تلخَّصَ منه التوقُّفُ فِي شأنِ
المَلائِكَةِ هَل يَمُوتُون أو لا؟ لأنَّ هذا يَتَوَقَّفُ على الخَبَرِ الصادِقِ
عن مَوتِهِم، معَ إمكَانِ ذلك وجوازُهُ، وهكَذَا لا يَنْبَغِي لِطَالِبِ العِلمِ
أَنْ يَجْزِمَ بِشَيءٍ إلاَّ بدليلٍ، وعدمُ الدليلِ لا يَدُلُّ على اسْتِحَالَةِ
مَوتِ المَلائِكَةِ فاللهُ على كلِّ شَيءٍ قديرٌ، والملائِكَةُ مِن خَلقِ اللهِ
الذين تَنْفُذُ فيهم قُدرَتُه ويَجْرِي عليهم قَضَاؤُه.
***
رَدُّ الشيخِ عَلَى
المُنكِرينَ لِعَذَابِ القَبرِ
قال الشيخُ رحمه الله في إثبَاتِ عَذَابِ القَبرِ والردُّ على
المُنكِرينَ له، قال: مَذهَبُ سَائِرِ المُسْلِمينَ وَسَائِرِ أَهلِ المِلَلِ
إثباتُ القِيَامَةِ الكُبرَى، وقِيَامُ الناسِ مِن قُبُورِهِم والثوابُ والعِقَابُ
هُنَاكَ، وإثباتُ الثَّوَابِ والعِقَابِ فِي البَرْزَخِ، ما بَينَ المَوتِ إلى
يومِ القِيَامَةِ، هذا قَولُ السَّلَفِ قَاطِبَةً وأهلُ السنةِ والجَمَاعَةِ،
وإنما أنَكَر ذلكَ فِي البرزَخِ قَليلٌ مِن أَهْلِ البِدَعِ، لكنَّ مِن أَهلِ
الكَلامِ مَن يَقُولُ: بل هو - أي: عذابُ البَرزَخِ - على البَدَنِ فَقَط كأنَّه
ليس عِندَهُ نَفسٌ تُفَارِقُ البَدَنَ، كَقَولِ مَن يَقُولُ ذلك مِنَ
المُعْتَزِلَةِ والأَشْعَرِيَّةِ، ومِنُهم مَن يَقُولُ: بل هُو على النفسِ فَقَط
بِنَاءً عَلى أنَّه لَيْسَ فِي البَرزخِ عَذَابٌ على البَدَنِ ولا نَعِيمٌ، كما
يَقُولُ ذلك ابنُ مَيْسَرةَ وابنُ حَزمٍ، ومِنُهم مَن يَقُولُ: بل البَدَنُ يُنَعَّمُ
ويُعَذَّبُ بِلا حَياةٍ فيه كما قالَه طائِفَةٌ مِن أهلِ الحَديثِ.
والمَقصُودُ هُنا أنَّ كَثِيرًا مِنْ أَهلِ الكَلامِ يُنكِرُ أن يَكُونَ للنفسِ وُجُودٌ بعدَ المَوتِ ولا ثَوَابَ ولا عِقَابَ، ويَزعُمُونَ أنه لَم يدلَّ على ذَلكَ القُرآنُ والحَدِيثُ؛ كَمَا أنَّ الذينَ أَنْكَرُوا عَذَابَ القَبْرِ والبَرزخِ مُطلقًا
الصفحة 1 / 458