×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الثاني

زَعَمُوا أنه لَم يَدلَّ على ذَلكَ القُرآنُ، وهَذَا غَلَطٌ، بل القُرآنُ قد بَيَّن فِي غَيرِ مَوضِعٍ بَقاءُ النفسِ بعدَ فِراقِ البدَنِ، وبينَ النعيمِ والعَذابِ فِي البرزَخِ، وهو سُبحَانَهُ فِي السورةِ الوَاحِدَةِ يَذكُرُ القِيَامَةَ الكُبرَى والصُّغرَى كمَا فِي سُورَةِ الوَاقِعَةِ؛ فإنه ذكَر فِي أوَّلِهَا القيامةَ الكُبرَى، وأن النَّاسَ يَكُونُونَ أَزْوَاجًا ثلاثةً كما قَالَ تَعَالَى: {إِذَا وَقَعَتِ ٱلۡوَاقِعَةُ ١لَيۡسَ لِوَقۡعَتِهَا كَاذِبَةٌ ٢خَافِضَةٞ رَّافِعَةٌ ٣إِذَا رُجَّتِ ٱلۡأَرۡضُ رَجّٗا ٤وَبُسَّتِ ٱلۡجِبَالُ بَسّٗا ٥فَكَانَتۡ هَبَآءٗ مُّنۢبَثّٗا ٦ وَكُنتُمۡ أَزۡوَٰجٗا ثَلَٰثَةٗ ٧[الواقعة: 1- 7]، ثم إنه في آخِرِها ذَكَرَ القِيَامَةَ الصُّغرَى بالمَوتِ، وأنَّهُم ثَلاثَةُ أَصْنَافٍ بَعدَ المَوتِ فَقَالَ: {فَلَوۡلَآ إِذَا بَلَغَتِ ٱلۡحُلۡقُومَ ٨٣وَأَنتُمۡ حِينَئِذٖ تَنظُرُونَ ٨٤وَنَحۡنُ أَقۡرَبُ إِلَيۡهِ مِنكُمۡ وَلَٰكِن لَّا تُبۡصِرُونَ ٨٥فَلَوۡلَآ إِن كُنتُمۡ غَيۡرَ مَدِينِينَ ٨٦تَرۡجِعُونَهَآ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ ٨٧فَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ ٱلۡمُقَرَّبِينَ ٨٨فَرَوۡحٞ وَرَيۡحَانٞ وَجَنَّتُ نَعِيمٖ ٨٩وَأَمَّآ إِن كَانَ مِنۡ أَصۡحَٰبِ ٱلۡيَمِينِ ٩٠فَسَلَٰمٞ لَّكَ مِنۡ أَصۡحَٰبِ ٱلۡيَمِينِ ٩١وَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ ٱلۡمُكَذِّبِينَ ٱلضَّآلِّينَ ٩٢ فَنُزُلٞ مِّنۡ حَمِيمٖ ٩٣ وَتَصۡلِيَةُ جَحِيمٍ ٩٤[الواقعة: 83- 94]، فهَذَا فيهِ أنَّ النفسَ تَبلُغُ الحُلقُومَ وأنهم لا يُمكِنُهُم رجعُها.

وبيَّنَ حَالَ المُقَرَّبينَ وأصحابِ اليمينِ والمُكَذِّبينَ حِينَئِذٍ، وفِي سُورَةِ القِيَامَةِ ذَكَر أيضًا القِيَامَتَينِ فقال: {لَآ أُقۡسِمُ بِيَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ[القيامة: 1] ثم قالَ: {وَلَآ أُقۡسِمُ بِٱلنَّفۡسِ ٱللَّوَّامَةِ[القيامة: 2]، وهِيَ نفسُ الإنْسَانِ، وقد قِيلَ: إنَّ النفسَ تَكُونُ لوَّامَةً وغيرَ لوَّامَةٍ وليسَ كَذَلِكَ، بل نَفسُ كلِّ إنسانٍ لوَّامَةٌ؛ فإنه لَيْسَ بَشَرٌ إلاَّ يَلُومُ نَفْسَه ويَنْدَمُ إما فِي الدنيا وإمَّا فِي الآخِرَةِ.

ثم ذَكَّرَهُ مَعَاد البَدَنِ فقال: {أَيَحۡسَبُ ٱلۡإِنسَٰنُ أَلَّن نَّجۡمَعَ عِظَامَهُۥ ٣بَلَىٰ قَٰدِرِينَ عَلَىٰٓ أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُۥ ٤بَلۡ يُرِيدُ ٱلۡإِنسَٰنُ لِيَفۡجُرَ أَمَامَهُۥ ٥ يَسۡ‍َٔلُ أَيَّانَ يَوۡمُ ٱلۡقِيَٰمَةِ ٦[القيامة: 3- 6]، ووصفَ حَالَ القِيَامَةِ إلى قولِه: {تَظُنُّ أَن يُفۡعَلَ بِهَا فَاقِرَةٞ


الشرح