وقوله: {قُلۡ كَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيدَۢا
بَيۡنِي وَبَيۡنَكُمۡ وَمَنۡ عِندَهُۥ عِلۡمُ ٱلۡكِتَٰبِ﴾[الرعد: 43]،
وقال تعالى: {فَإِن كُنتَ فِي شَكّٖ مِّمَّآ أَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ فَسَۡٔلِ ٱلَّذِينَ
يَقۡرَءُونَ ٱلۡكِتَٰبَ مِن قَبۡلِكَۚ﴾[يونس: 94]، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لم يَشكَّ
ولَم يَسْأَلْ، ولكنَّ هَذَا حُكمٌ مُعَلَّقٌ بِشَرطٍ، والمُعَلَّقُ بالشرطِ
يُعدَمُ عِندَ عَدَمِه، وفِي ذلكَ سِعَةٌ لِمَن شَكَّ أو أَرَادَ أَنْ يَحْتَجَّ
أو يَزْدَادَ يَقِينًا.
***
الردُّ عَلَى مَن طَعَنَ
فِي رِسَالَةِ الرَّسُولِ
صلى الله عليه وسلم
قالَ شيخُ الإِسلامِ ابنُ تَيْمِيَّةَ رحمه الله في الردِّ عَلى
مَن طَعَنَ فِي رِسالةِ النبيِّ مُحمدٍ صلى الله عليه وسلم مِنَ المَلاحِدَةِ الذَّينَ
لا يُؤمِنونَ بالأَنْبِيَاءِ، قال وأما إنْ كَانَ المُخَاطَبُ لا يُقِرُّ
بِنُبوَّةِ نَبيٍّ مِن الأَنْبِيَاءِ لا مُوسَى ولا عِيسَى ولا غَيرِهِما
فللمُخَاطبةِ طرقٌ: منها: أَنْ نَسلُكَ في الكَلامِ بَينَ أهلِ المِلَلِ وغَيرِهِم
مِن المُشرِكينَ والصابِئينَ والمُتَفَلسِفَةِ والبَرَاهِمَةِ وغَيرِهِم نظيرَ
الكَلامِ بينَ المُسلِمينَ وأهلِ الكِتَابِ، فنَقُولُ: مِن المَعلُومِ لِكلِّ
عَاقِلٍ له أَدنَى نَظَرٍ وتأمُّلٍ أنَّ أهلَ المِلَلِ أكملُ فِي العُلُومِ
النافِعَةِ والأَعْمَالِ الصالِحَةِ مِمَّن لَيسَ مِن أَهلِ المِللِ، فما مِن
خَيرٍ يُوجَدُ عندَ غَيرِ المُسلِمينَ مِن أهلِ المِللِ إلاَّ عِندَ المُسلِمينَ
ما هُو أكمَلُ مِنه، وعِندَ أَهلِ المِللِ ما لا يُوجَدُ عِندَ غَيرِهِم، وذلكَ
أنَّ العُلومَ والأعْمَالَ نَوعانِ:
نَوعٌ يُحَصَّلُ بِالعَقلِ كَعِلمِ الحِسَابِ والطِّبِّ
والصِّنَاعَةِ مِن الحِيَاكَةِ والخِيَاطَةِ والتِّجَارَةِ ونَحوِ ذلك، فهَذِه
الأُمُورُ عندَ أهلِ المِلَلِ كما هِي عِندَ غَيْرِهِم بل هُم فيها أكمَلُ؛ فإنَّ
عُلومَ المُتَفلسِفَةِ، مِن عُلومِ المَنْطِقِ والطَّبيعَةِ والهَيئَةِ وغَيرِ
ذَلكَ مِن مُتفَلْسِفَةِ الهِنْدِ واليُونانِ وعُلومِ فَارسَ والرومِ لمَّا
صَارَتْ إِلَى المُسلِمينَ هَذَّبُوها ونَقَّحُوها لِكَمَالِ عُقُولِهِم
الصفحة 1 / 458