فِي أقلَّ مِن واحدٍ وثَمَانِينَ يَومًا، فَإنَّ هَذا إنَّما
بَنُوه على أَنَّ التخلِيقَ إنما يَكُونُ إذا صَارَ مُضْغَةً ولا يَكُونُ مُضغَةً
إلاَّ بعدَ الثَّمانينَ، والتخليقُ مُمكِنٌ قبل ذَلكَ وقد أَخْبَرَ به مَن أخبرَ
مِنَ النِّسَاءِ، ونفسُ العَلَقَةِ يُمكِنُ تَخلِيقُها، انتهى مُلَخَّصُ مَا
أجَابَ به الشيخُ فِي هذا المَوضُوعِ.
وقالَ ابنُ رجَبٍ رحمه الله فِي شَرحِ الأَربَعِينَ وقد جمَعَ
بَعضُهُم بينَ هذهِ الأَحَادِيثِ والآثَارِ وبينَ حديثِ ابنِ مَسعودٍ فَأَثْبَتَ
الكِتَابَةَ مَرَّتَينِ، وقد يُقَالُ: معَ ذلك إِنَّ إِحْدَاهُما فِي السَّمَاءِ
والأُخرَى فِي بَطنِ الأُمِّ، والأَظْهَرُ واللهُ أعلمُ أنها مَرَّةٌ واحِدَةٌ،
ولعَلَّ ذلكَ يَخْتَلِفُ باخْتِلافِ الأَجِنَّةِ فبَعْضُهم يُكتَبُ له ذلك بَعدَ
الأربَعِينَ الأُولَى، وبعضُهُم بَعدَ الأربعينَ الثالِثَةِ، وقَد يُقَالُ: إنَّ
لفظةَ «ثم» فِي حديثِ ابنِ مَسعودٍ إنَّمَا أُريدَ بِه تَرتيبَ الإخْبَارِ لا
تَرتِيبَ المُخْبَرِ عَنهُ فِي نفسِه، واللهُ أَعْلَمُ.
ومِنَ المُتَأَخِّرينَ مَن رَجَّح أنَّ الكِتَابةَ تَكُونُ فِي
أوَّلِ الأَرْبَعِينَ الثانيةِ كَمَا دَلَّ عليهِ حَديثُ حُذَيفَةَ ابنِ أُسَيدٍ،
وقال: إِنَّما أَخَّرنَا ذِكرَها فِي حَديثِ ابنِ مَسعُودٍ إلى ما بَعدَ ذِكرِه
المُضْغَةَ، وإنْ ذُكِرَتْ بِلفظِ «ثم»؛ لِئَلاَّ يَنْقَطِعَ ذِكرُ الأطْوارِ
الثلاثةِ التي يَتَقَلَّبُ فيهَا الجَنِينُ، وهِيَ كَونُه نُطفةً وعَلَقَةً
ومُضغَةً؛ فإن ذِكرَ هَذِه الثلاثَةِ عَلَى نَسَقٍ وَاحِدٍ أَعْجَبُ وأحْسَنُ،
فلِذَلكَ أَخَّرَ المَعطُوفَ عَلَيْهَا، وإن كانَ المَعطُوفُ مُتَقَدِّمًا على
بعضِهَا فِي الترتِيبِ.
***
المُرادُ بِالفِطرَةِ التي
يُولَدُ عَلَيهَا المَولُودُ
سُئِلَ شَيخُ الإِسْلاَمِ ابنُ تَيميةَ رحمه الله عن قَولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ» ([1]) ما معناه أَرَادَ فِطْرَةَ الخَلقِ أم فِطْرَةَ الِإسلامِ؟ وفي قولِه:
الصفحة 1 / 458