والجَهمِيَّة نفاة الصفات تارةً يقولون بما يستلزم الحُلولَ
والاتحاد، أو يصرِّحون بذلك، وتارة بما يستلزِم الجُمود والتَّعطيل؛ فنُفاتُهُم لا
يَعبُدون شيئًا، ومُثبِتَتُهم يعبدون كلَّ شيء.
وقال أيضًا: فإذا كان ما ثَمَّ موجودٌ إلاَّ الخالِقَ
والمَخلُوقَ؛ فالخالق بائِنٌ عن المَخلُوق، فإذا قال القائل: هو في جِهَة أو ليس
في جِهَة؟ قيل له: الجِهَة أمر موجود أو معدومٌ؟ فإذا كان أمرًا موجودًا، ولا
موجود إلاَّ الخالق والمَخلُوق، والخالق بائِنٌ عن المَخلُوق، لم يكن الرَّبُّ في
جِهَة موجودة مَخلُوقة، وإن كانت الجِهَة أمرًا معدومًا بأن يُسمَّى ما وَراءَ
العالَم جِهَة، فإذا كان الخالق مبايِنًا العالم، وكان ما وَراءَ العالَم جِهَةً
مُسمَّاةً وليس هو شيئًا موجودًا؛ كان الله في جهة معدومة بهذا الاعتبار.
***
الرَّدُّ على نُفاةِ
رُؤيَةِ المُؤمِنين لربِّهِم يومَ القيامة
يردُّ الشَّيخ رحمه الله على نُفاةِ رُؤيَة المُؤمِنين لربِّهِم
يومَ القِيامَة بحُجَّة أنَّه لو رُئِي لكان جسمًا متحيِّزًا، فيقول: المتحيِّز
يُراد ما حازَه غَيرُه، ويُراد به ما بانَ عن غَيرِه فكان متحيِّزًا عنه، فإن
أردْتَ بالتحيُّز الأولَ لم يَكُن سُبحانَه متحيِّزًا؛ لأنه بائِنٌ عن المَخلُوقات
ولا يَحوزُه غيره، وإن أردْتَ الثانِيَ فإنه سُبحانَه بائِنٌ عن المَخلُوقات
مُنفصِل عنها ليس هو حالًّا فيها ولا متَّحِدًا بها.
فبهذا التَّفصيلِ يَزُول الاشتباهِ والتَّضلِيل، وإلا فكلُّ مَن نَفَى شيئًا من الأسماءِ والصِّفات سمَّى مَن أثبَتَ ذلك مجسِّمًا قائلاً بالتحيُّزِ والجِهَة؛ فالمُعتَزِلَة ونحوُهم يسمُّون الصِّفاتِيَّة الذين يقولون: إنَّ الله تعالى حيٌّ بحياةٍ، عليم بعِلْمٍ، قدير بقُدرَة، سميع بسَمْع، بصير ببَصَر، متكلِّم بكلامٍ
الصفحة 1 / 458