×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الثاني

وحُسنِ أَلْسِنَتِهِم وكانَ كَلامُهم فِيها أتمَّ وأجْمَعَ وأبينَ، وهذا يَعْرِفُه كلُّ عَاقِلٍ وفَاضِلٍ.

وأمَّا مَا لا يُعْلَمُ بِمُجَرَّدِ العَقلِ كالعُلومِ الإلهِيَّةِ وعلومِ الدِّيَاناتِ فهَذِه مُخْتَصَّةٌ بأهلِ المِلَلِ، وهذه مِنها ما يُمْكِنُ أن يُقَامَ عَليهِ أدلَّةٌ عَقلِيَّةٌ، فالآياتُ الكتابيَّةُ مُستنبَطَةٌ مِن الرِّسَالةِ، فالرسُلُ هَدُوا الخَلقَ وأَرْشَدُوهم إلى دَلالَةِ العُقُولِ عليها، فَهِيَ عَقِليةٌ شرعيَّةٌ، فليس لِمُخَالِفِ رَسُولٍ أن يَقُولَ: هذه لا تُعْلَمُ إلاَّ بِخَبَرِهِم؛ فَإثْبَاتُ خَبَرِهِم بِها دَورٌ، بل يُقَالُ: بِعدَالَتِهِم وإِرشَادِهِم وتَبَيُّينِهِم للمَعْقُولِ صَارتْ مَعلُومَةً بالعقلِ والأمثالُ المَضرُوبَةُ والأَقْيِسَةُ العَقليَّةُ، وبهذهِ العُلُومِ يُعلَمُ صِحةُ ما جَاءَ به الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم وبُطلانُ قَولِ مَن خَالَفَهُ.

النوعُ الثانِي: مَا لا يُعْلَمُ إلاَّ بِخَبرِ الرُّسُلِ فهذا يُعلَمُ بوجُوهٍ:

منها: اتِّفاقُ الرُّسُلِ على الإخبارِ به مِن غيرِ تَوَاطُؤٍ ولا اتِّفاقٍ بينَهُم، فإنَّ المُخبِرَ إمَّا أن يَكُونَ صَادِقًا؛ خَبَرُه مُطَابِقٌ لمَخْبِرِه وإما أن لا يَكُونَ، وإذَا لَم يَكُنْ خَبَرُهُ مُطابِقًا لمُخبِرِه فإمَّا أنْ يَكُونَ مُتَعَمِّدًا للكَذِبِ، وإما أن يَكُونَ مُخْطِئًا، فَإِذَا قَدَّر عدمَ الخَطَأِ والتَّعَمُّدِ كانَ خَبَرُه صَادِقًا لا مَحَالَةَ، ومَعلومٌ أنه إذا أَخْبَر واحدٌ عن عُلومٍ طَويلةٍ فيها تَفَاصِيلُ كَثيرةٌ وأَخْبَرَ غَيرُه بِها قَبلَ ذَلك معَ الجَزْمِ بأنَّهُما لم يَتَواطَآ، ولا يُمكِنُ أن يُقَالَ: أنه يُمكِنُ الكَذِبُ فِي مِثلِ ذَلكَ؛ أفاد خَبَرُهُمَا العِلمَ، وإنْ لم يَعْلَمْ حَالَهُمَا.

ومَعلُومٌ أَنَّ مُوسَى أخْبَرَ بِمَا أَخْبَرَ به قَبلَ أَنْ يُبعَثَ مُحمَّدٌ صلى الله عليه وسلم وقبلَ أن يُبْعَثَ المَسِيحُ، ومَعلُومٌ أَيضًا لُكِلِّ مَن كانَ عَالِمًا بِحَالِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم أنه نَشَأَ بَينَ قَومٍ أُمِّيينَ لا يَقْرَءُونَ كِتابًا ولا يَعْلَمُون عُلُومَ الأنبِيَاءِ، وأنَّهُ لم يَكُنْ عِندَهُم مَن يَعْلَمُ فِي التورَاةِ والإنجيلِ ونبوَّةِ الأَنبِيَاءِ، وقد أَخْبَرَ صلى الله عليه وسلم مِن


الشرح