[القيامة: 25]، ثُمَّ ذَكَر المَوتَ فَقَالَ: {كَلَّآ إِذَا بَلَغَتِ ٱلتَّرَاقِيَ﴾[القيامة: 26]،
وهذا إثباتٌ للنَّفسِ وأنها تَبْلُغُ التَّراقِيَ كما قالَ هنُاَك: {بَلَغَتِ ٱلۡحُلۡقُومَ﴾[الواقعة: 83] والتراقي مُتَّصِلَةٌ
بالحُلقُومِ، ثم قال: {وَقِيلَ مَنۡۜ رَاقٖ﴾[القيامة: 27]
يَرقِيها، وقيلَ: مَن صاعدٍ يَصْعَدُ بها إلى اللهِ، والأوَّلُ أظهَرُ لأنَّ هذا
قبلَ المَوتِ؛ فإنه قال: {وَظَنَّ أَنَّهُ ٱلۡفِرَاقُ﴾[القيامة: 28]، فدلَّ على أنَّهُم يَرجُونَهُ ويَطْلُبُونَ له
رَاقِيًا يَرقِيهِ، وأيضًا فَصُعُودُها لا يَفْتَقِرُ إلى طَلَبِ مَن يَرقَى
بِهَا، فإنَّ للهِ ملائكةً يَفْعَلُونَ مَا يُؤمَرُونَ، والرقيةُ أعظَمُ
الأَدوِيَةِ؛ فإنَّها دَوَاءٌ رُوحَانِيٌّ، ولِهَذَا قال النبيُّ صلى الله عليه
وسلم عن صِفةِ المُتَوَكِّلينَ: «لا يَسْتَرقُونَ»
([1])، والمُرَادُ أنه يَخَافُ المَوتَ ويرجُونَ الحَيَاةَ
بالرقْيِ، وبهذَا قال: {وَظَنَّ أَنَّهُ ٱلۡفِرَاقُ﴾[القيامة: 28].
ثم قال: {وَٱلۡتَفَّتِ ٱلسَّاقُ بِٱلسَّاقِ
٢٩إِلَىٰ رَبِّكَ يَوۡمَئِذٍ ٱلۡمَسَاقُ ٣٠﴾[القيامة: 29- 30]، فدلَّ على نَفْسٍ موجُودَةٍ قائِمَةٍ
بِنَفْسِهَا تُسَاقُ إلى ربِّها، والعَرَضُ القَائِمُ بِغَيرِه لا يُسَاقُ، ولا
بدنُ المَيِّتِ - يعني لا يُسَاقُ - فهذا نصٌّ في إثباتِ نَفسٍ تُفارِقُ البَدَنَ،
تُسَاقُ إلى ربِّهَا كما نَطَقَتْ بِذَلك الأحَادِيثُ المُسْتَفِيضَةُ فِي فَيضِ
رُوحِ المُؤمنِ ورُوحِ الكَافِرِ.
ثم ذَكَر بَعْدَ هذا صفةَ الكَافِر بِقَولِه معَ هَذا الوَعِيدِ الذي قدَّمَه: {فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّىٰ﴾[القيامة: 31] وليس المُرَادُ أن كُلَّ نفسٍ مِن هَذِه النُّفُوسِ كَذَلِكَ، وكَذَلكَ سُورةُ «ق» هي فِي ذِكرِ وَعِيدِ القِيامَةِ ومَعَ هَذا قال فيها: {وَجَآءَتۡ سَكۡرَةُ ٱلۡمَوۡتِ بِٱلۡحَقِّۖ ذَٰلِكَ مَا كُنتَ مِنۡهُ تَحِيدُ﴾[ق: 19]، فذَكَرَ القِيَامَتينِ الصُّغْرَى والكُبرى، وقولُه: {وَجَآءَتۡ سَكۡرَةُ ٱلۡمَوۡتِ بِٱلۡحَقِّۖ﴾[ق: 19]؛ أي: جَاءَت بِمَا بَعدَ المَوتِ مِن ثَوابٍ وعِقَابٍ، وهُو الحَقُّ الذي
([1])أخرجه: مسلم رقم (218).