×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الثاني

 أَخْبَرَت بِه الرُّسُلُ، ليس مُرَادَهُ أنها جَاءَت بِالحَقِّ الذي هُو المَوتُ، فإنَّ هذا مَشْهُورٌ لم يُنَازَعْ فِيه، ولم يَقُلْ أَحَدٌ: إنَّ المَوتَ بَاطِلٌ حتَّى يُقَالَ: جَاءتْ بِالحَقِّ، وقولُه: {ذَٰلِكَ مَا كُنتَ مِنۡهُ تَحِيدُ[ق: 19]؛ فالإنْسَانُ وإن كَرِه الموتَ فهُو يَعْلَمُ أنه تُلاقِيهِ مَلائِكَتُه، وهذا كقولِه: {وَٱعۡبُدۡ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأۡتِيَكَ ٱلۡيَقِينُ[الحجر: 99]، واليَقِينُ ما بعدَ المَوتِ، كمَا قَالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم «وَأَمَّا عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ فَقَدْ جَاءَهُ الْيَقِينُ مِن رَبِّهِ» ([1])، وإلا فَنَفْسُ الموتِ مُجَرَّدًا عمَّا بَعدَه أمرٌ مَشهورٌ لم يُنَازِعْ فيه أَحَدٌ حتَّى يُسَمَّى يَقِينًا.

وذَكَرَ عَذَابَ القِيَامَةِ والبَرزَخِ مَعًا فِي غَيرِ مَوضِعٍ؛ ذَكَرَه فِي قصَّةِ آلِ فِرعَونَ فَقَالَ: {فَوَقَىٰهُ ٱللَّهُ سَيِّ‍َٔاتِ مَا مَكَرُواْۖ وَحَاقَ بِ‍َٔالِ فِرۡعَوۡنَ سُوٓءُ ٱلۡعَذَابِ ٤٥ٱلنَّارُ يُعۡرَضُونَ عَلَيۡهَا غُدُوّٗا وَعَشِيّٗاۚ وَيَوۡمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ أَدۡخِلُوٓاْ ءَالَ فِرۡعَوۡنَ أَشَدَّ ٱلۡعَذَابِ ٤٦[غافر: 45- 46]، وقال في قِصةِ قَومِ نُوحٍ: {مِّمَّا خَطِيٓـَٰٔتِهِمۡ أُغۡرِقُواْ فَأُدۡخِلُواْ نَارٗا فَلَمۡ يَجِدُواْ لَهُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ أَنصَارٗا[نوح: 25] مع إخبارِ نُوحٍ لَهُم بِالقِيَامَةِ فِي قَولِهِ: {وَٱللَّهُ أَنۢبَتَكُم مِّنَ ٱلۡأَرۡضِ نَبَاتٗا ١٧ثُمَّ يُعِيدُكُمۡ فِيهَا وَيُخۡرِجُكُمۡ إِخۡرَاجٗا ١٨[نوح: 17- 18]، وقال في المُنَافِقين: {سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيۡنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَىٰ عَذَابٍ عَظِيمٖ[التوبة: 101] قال غَيرُ واحدٍ من العُلمَاءِ: المرَّةُ الأُولَى فِي الدُّنيا والثانيةُ فِي البرزخِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إلى عَذابٍ عَظِيمٍ فِي الآخِرَةِ، وقال تَعَالى فِي الأنعامِ: {وَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّنِ ٱفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًا أَوۡ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمۡ يُوحَ إِلَيۡهِ شَيۡءٞ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثۡلَ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُۗ وَلَوۡ تَرَىٰٓ إِذِ ٱلظَّٰلِمُونَ فِي غَمَرَٰتِ ٱلۡمَوۡتِ وَٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ بَاسِطُوٓاْ أَيۡدِيهِمۡ أَخۡرِجُوٓاْ أَنفُسَكُمُۖ ٱلۡيَوۡمَ تُجۡزَوۡنَ عَذَابَ ٱلۡهُونِ بِمَا كُنتُمۡ تَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ غَيۡرَ ٱلۡحَقِّ وَكُنتُمۡ عَنۡ ءَايَٰتِهِۦ تَسۡتَكۡبِرُونَ ٩٣ وَلَقَدۡ جِئۡتُمُونَا فُرَٰدَىٰ كَمَا خَلَقۡنَٰكُمۡ أَوَّلَ مَرَّةٖ وَتَرَكۡتُم مَّا


الشرح

([1])أخرجه: البخاري رقم (1186).