العلمِ والعبادةِ فإنَّهم أثبتوا وآمنوا بجميعِ ما جاء به
الكتابُ والسُّنَّةُ من غيرِ تحريفٍ للكَلِمِ عن مواضعِه، أثبتوا أنَّ اللهَ فوقَ
سماواتِه على عرشِه بائنٌ من خلقِه، وهم بائنون منه وهو أيضًا قريبٌ مُجِيب، وكان
النبيُّ صلى الله عليه وسلم يقولُ: «اللهُمَّ
أنتَ الصَّاحِبُ والخَلِيفةُ في الأهْل» ([1])فهو مع المسافرِ في سفرِه ومع أهلِه في وطنِه، ولا يلزَمُ
من هذا أنْ تكونَ ذاتُه مُختَلِطةً بذواتِهم، كما قال تعالى: {مُّحَمَّدٞ رَّسُولُ ٱللَّهِۚ وَٱلَّذِينَ مَعَهُۥٓ﴾[الفتح: 29]، أي: على الإيمانِ لا أنَّ ذاتَه في ذاتِهم،
بل هم مصاحِبُون له، وقوله: {فَأُوْلَٰٓئِكَ مَعَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۖ﴾[النساء: 146]، يدُلُّ على موافقتِهم في الإيمانِ وموالاتِهم،
فاللهُ تعالى عالِمٌ بعبادِه وهو معهم أينما كانوا وعلمُه بهم من لوازمِ المعيَّة،
وفي القرآنِ: {أَمۡ يَحۡسَبُونَ أَنَّا لَا نَسۡمَعُ سِرَّهُمۡ وَنَجۡوَىٰهُمۚ بَلَىٰ
وَرُسُلُنَا لَدَيۡهِمۡ يَكۡتُبُونَ﴾[الزخرف: 80]، فإنه يُرادُ
برؤيتِه وسمعِه إثباتُ علمِه بذلك، وأنَّه يعلمُ هلْ ذلك خيرٌ أو شر، فيُثِيبُ على
الحسناتِ ويُعاقِبُ على السيئات.
وكذلك إثباتُ القُدْرةِ على الخلْقِ كقولِه: {وَمَآ أَنتُم بِمُعۡجِزِينَ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَا فِي ٱلسَّمَآءِۖ﴾[العنكبوت: 22]، وقوله: {أَمۡ حَسِبَ ٱلَّذِينَ يَعۡمَلُونَ ٱلسَّئَِّاتِ أَن يَسۡبِقُونَاۚ سَآءَ مَا يَحۡكُمُونَ﴾[العنكبوت: 4]، والمرادُ التخويفُ بتوابعِ السيئاتِ ولوازِمِها من العقوبةِ والانتقام، وهكذا كثير مما يصف الرب نفسه بالعلم بأعمال العباد تحذيرا وتخويفًا ورغبة للنفوس في الخير، ويصف نفسه بالقدرة والسمع والرؤية والكتاب، فمدلول اللفظ مراد منه، وقد أُريدَ أيضًا لازمُ ذلك المعنى، فقد أُريدَ ما يدُلُّ عليه
([1])أخرجه: مسلم رقم (1342).