اللفظُ في أصلِ اللغةِ
بالمطابقةِ والالتزام فليس اللفظُ مستعملاً في اللازمِ فقط، بل أُريدَ به مدلولُه
الملزومُ ذلكَ حقيقة.
وأمَّا القُربُ فذكرَه تارةً بصيغةِ المُفردِ كقولِه تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌۖ أُجِيبُ﴾[البقرة: 186]، وفي الحديث: «ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ» ([1]) إلى أن قال: «إن
الذين تَدْعُونَه أقربُ إلى أحدِكم من عنْقِ راحِلتِه» ([2])، وتارة يذكره بصيغة الجمع كقوله: {وَنَحۡنُ أَقۡرَبُ إِلَيۡهِ مِنكُمۡ﴾[الواقعة: 85]، {وَنَحۡنُ أَقۡرَبُ إِلَيۡهِ مِنۡ
حَبۡلِ ٱلۡوَرِيدِ﴾[ق: 16]، وهذا مثل قوله: {نَتۡلُواْ عَلَيۡكَ﴾[القصص: 3] و {نَقُصُّ عَلَيۡكَ﴾[الأعراف: 101] و{عَلَيۡنَا جَمۡعَهُۥ وَقُرۡءَانَهُۥ﴾[القيامة: 17] و{عَلَيۡنَا بَيَانَهُۥ﴾[القيامة: 19]، فالقراءة هنا حين يسمعه جبريل، والبيان هنا لمن
يبلغه القرآن.
ومذهبُ سَلفِ الأمةِ وأئمتِها وخلَفِها: أنَّ النبيَّ صلى الله
عليه وسلم سمِعَ القرآنَ من جبريلَ، وجِبريلُ سمِعه من اللهِ عز وجل.
وأما قولُه: «نتلو»و «نقص» ونحوه، فهذه الصيغةُ في كلامِ العربِ
للواحدِ العظيمِ الذي له أعوانٌ يُطيعونه، فإذا فعل أعوَانُه فعلاً بأمرِه قال:
فعلْنا، كما يقولُ الملِك: نحن فتحْنا هذا البلدَ، وهزمْنا هذا الجيشَ، ونحو ذلك.
ومن هذا البابِ قوله تعالى: {ٱللَّهُ يَتَوَفَّى ٱلۡأَنفُسَ﴾[الزمر: 42]، فإنه سبحانه يتوفَّاها برُسلِه الذين مُقدَّمُهم ملَكُ الموتِ كما قال: {تَوَفَّتۡهُ رُسُلُنَا﴾[الأنعام: 61]، {قُلۡ يَتَوَفَّىٰكُم مَّلَكُ ٱلۡمَوۡتِ﴾[السجدة: 11]، وكذلك ذواتُ الملائكةِ تقربُ من المُحْتضِر.
الصفحة 4 / 458