×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الثاني

ربِّه الأعْلى، فهو سبحانه الأعْلى والعبدُ الأسْفل، كما أنَّه الربُّ والعبدُ العبد، وهو الغنيُّ والعبدُ الفقير، وليسَ بيْنَ الربِّ والعبدِ إلاَّ محضُ العُبودية، فكلَّما كملها قرب العبد إليه؛ لأنه سبحانه بَرٌّ جَوَاد مُحسِنٌ يُعطي العبدَ ما يُناسِبه، فكلَّما عظُمَ فقرُه إليه كان أغنى، وكلَّما عظُمَ ذلُّه له كان أعز، فإنَّ النفسَ بما فيها من أهوائِها المتنوعةِ وتسويلِ الشيطانِ لها تبعد عن الله حتى تصيرَ ملعونةً بعيدةً من الرحمة، واللعنةُ هي البُعْد، ومن أعظْمِ ذنوبِها إرادةُ العُلُوِّ في الأرض، والسجودُ فيه غايةُ سفولِها قال تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ٱدۡعُونِيٓ أَسۡتَجِبۡ لَكُمۡۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسۡتَكۡبِرُونَ عَنۡ عِبَادَتِي سَيَدۡخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ[غافر: 60]، وفي الصحيح«لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ» ([1])، وقال لإبليس: {فَٱهۡبِطۡ مِنۡهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا[الأعراف: 13]، وقال: {وَكَلِمَةُ ٱللَّهِ هِيَ ٱلۡعُلۡيَاۗ[التوبة: 40] فهذا وصْفٌ لها ثابت، لكنْ من أرادَ أنْ يُعلِي غيرَها جُوهِد، وقال: «مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللهِ عز وجل هِيَ أَعْلَى، فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللهِ» ([2]) ([3])، وكلمةُ اللهِ هي خبرُه وأمرُه، فيكونُ أمرُه مُطاعًا مُقدَّمًا على أمرِ غيرِه، وخبرُه مُصدَّقٌ مُقدَّمٌ على خبرِ غيرِه.

وقال: {وَيَكُونَ ٱلدِّينُ كُلُّهُۥ لِلَّهِۚ[الأنفال: 39]، والدِّينُ هو العبادةُ والطاعةُ والذلُّ ونحو ذلك، يُقَال: دِنْتُه فدان؛ أي: ذَلَلْتُه فذَل.

***


الشرح

([1])أخرجه: مسلم رقم (91).

([2])أخرجه: البخاري رقم (123)، ومسلم رقم (1904).

([3])أخرجه: البخاري رقم (287)، ومسلم رقم (1904).