×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الثاني

 {وَنَحۡنُ أَقۡرَبُ إِلَيۡهِ مِنۡ حَبۡلِ ٱلۡوَرِيدِ[ق: 16] وقد افترقَ في هذا المقامِ أربعُ فِرَق:

فالجهميةُ النُّفاةُ: الذين يقولون: ليس داخلَ العالمِ ولا خارجَ العالم، ولا فوقَ ولا تحت، لا يقولون بعُلوِّه ولا بفَوقِيته، بل الجميعُ عندَهم مُتأَولٌ أو مُفوض، وجميعُ أهلِ البِدعِ قد يتمسكون بنصوصٍ كالخوارجِ والشِّيعةِ والقَدَريةِ والرَّافضةِ والمُرجئةِ وغيرِهم، إلاَّ الجهمية فإنَّهم ليسَ معهم عن الأنبياءِ كلمةٌ واحدةٌ تُوافِقُ ما يقولونه من النَّفي، ولهذا قال ابنُ مُبارَك ويوسف بن أسباط: إنَّ الجَهميَّةَ خارجون عن الثلاثِ والسبعين فِرقة، وهذا أحدُ الوَجهين لأصحابِ أحمدَ ذكرَهما أبو عبدِ اللهِ بنُ حامدٍ وغيره.

وقسم ثان: يقولون: إنه بذاتِه في كلِّ مكانٍ كما يقولُه النجارية، وكثيرٌ من الجَهميةِ عبادُهم وصُوفِيَّتُهم وعوَامُّهم يقولون: إنه عينُ وجودِ المخلوقات، كما يقولُه أهلُ الوحدةِ القائلون بأنَّ الوجودَ واحد، ومن يكونُ قوله مركبًا من الحُلُولِ والاتِّحاد، وهم يحتجُّون بنصوصِ المعيةِ والقُرب، ويتأولون نصوصَ العُلُوِّ والاستواء، وكلُّ نصٍّ يحتجُّون به عليهم، فإنَّ المعيَّةَ أكثرُها خاصَّةٌ بأنبيائِه وأوليائِه، وعندَهم في كلِّ مكان.

وفى النصوصِ ما يُبيِّنُ نقيضَ قولِهم فإنَّه قال: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ[الحديد: 1]، فكلُّ منْ في السماواتِ والأرضِ يُسبِّح، والمسبح، غير المسبح ثم قال: {لَهُۥ مُلۡكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ[الحديد: 2]، فبيَّنَ أنَّ المُلْكَ له، ثم قال: {هُوَ ٱلۡأَوَّلُ وَٱلۡأٓخِرُ وَٱلظَّٰهِرُ وَٱلۡبَاطِنُۖ وَهُوَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٌ[الحديد: 3]، وفي الصحيح «أَنْتَ الأَْوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ،


الشرح