×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الثاني

وَأَنْتَ الآْخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ» ([1])، فإذا كان هو الأولُ كان هناك ما يكونُ بعده، وإذا كان آخرًا كان هناك ما الرب بعده، وإذا كان ظاهرًا ليس فوقَه شيءٌ كان هناك ما الربُّ ظاهرًا عليه، وإذا كان باطنًا ليس دونَه شيءٌ كان هناك أشياءُ نفَى عنها أن تكونَ دونَه، ولهذا قال ابنُ عربي: من أسمائِه الحسنى «العَلِي» على من يكون عليًا، وما ثم إلاَّ هو؟ وعلى ماذا يكونُ عليًا؟ وما يكونُ إلاَّ هو فعُلُوِّه لنفسِه، وهو من حيثُ الوجودِ عينُ الموجودات، تعالَى اللهُ عمَّا يقولُه هذا المُلحد.

ثم قال الشيخُ: والقسم الثالث: من يقول: هو فوقَ العرشِ وهو في كلِّ مكان، ويقول: أنا أُقِرُّ بهذه النصوص، وهذه لا أصرِفُ واحدًا منها عن ظاهرِه، وهذا قوْلُ طَوائفَ ذَكرَهم الأشعريُّ في «المقالات الإسلامية»، وهو موجودٌ في كلامِ طائفةٍ من السَّالِمية والصُّوفية.

قال الشيخُ: وهذا الصِّنفُ الثالث وإن كان أقربَ إلى التَّمسكِ بالنصوص، وأبعدَ عن مخالفتِها من الصِّنفين الأولين، فإنَّ الأولَ لم يتبعْ شيئًا من النصوصِ بل خالَفَها كلَّها، والثاني تركَ النُّصوصَ الكثيرةَ المُحكمةَ المبيَّنة، وتعلَّقَ بنصوصٍ قليلةٍ اشتبَهَت عليه معانيها، وأما هذا الصِّنفُ فيقول: أنا اتبعتُ النصوصَ كلَّها لكنه غالَطَ أيضًا، فكل            من قال: إنَّ اللهَ بذاتِه في كلِّ مكان، فهو مخالِفٌ للكِتاب والسُّنةِ وإجماعِ سلفِ الأُمةِ وأئمتِها مع مخالفتِه لما فَطَر اللهُ عليه عبادَه، ولصريحِ المعقولِ وللأدلةِ الكثيرة، وهؤلاء يقولون أقوالاً متناقِضة، يقولون: إنَّه فوقَ العرش، ويقولون: نَصيبُ العرشِ منه كنصيبِ قلبِ العارف، كما يذكُر ذلك أبو طالبٍ وغيرُه.


الشرح

([1])أخرجه: مسلم رقم (2713).