إلى أن قال الشيخ رحمه الله:
وأما القسم الرابع: فهم سلفُ الأمةِ وأئمتُها، أئمة العلمِ والدِّينِ من شيوخِ العلمِ والعبادة؛ فإنهم أثبتوا وآمنوا بجميعِ ما جاء به الكتابُ والسُّنةُ كله من غيرِ تحريفٍ للكَلِم، أثبتوا أنَّ اللهَ تعالى فوقَ سماواتِه وأنه على عرشِه بائن من خلقِه وهم بائنون منه، وهو أيضًا مع العبادِ عمومًا بعلمِه، ومع أنبيائِه وأوليائِه بالنصرِ والتأييدِ والكفايةِ وهو أيضًا قريبٌ مجيب، وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يقول: «اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ، وَالْخَلِيفَةُ فِي الأَْهْلِ» ([1])؛ فهو سبحانه مع المسافرِ في سفرِه، ومع أهلِه في وطنِه، ولا يلزَمُ من هذا أن تكونَ ذاتُه مختلطةٌ بذواتِهم، كما قال: {مُّحَمَّدٞ رَّسُولُ ٱللَّهِۚ وَٱلَّذِينَ مَعَهُۥٓ﴾[الفتح: 29]؛ أي: معه على الإيمان، لا أنَّ ذاتَهم في ذاتِه بل هم مصاحبون له، وقوله: {فَأُوْلَٰٓئِكَ مَعَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۖ﴾[النساء: 146] يدُلُّ على موافقتِهم في الإيمانِ وموالاتِهم، فاللهُ تعالى عالمٌ بعبادِه وهو معهم أينما كانوا، وعلمُه بهم من لوازمِ المعيَّةِ كما قالتِ المرأة: زوجي طويلُ النجاد، عظيمُ الرَّماد، قريبُ البيتِ من الناد، فهذا كلُّه حقيقة، ومقصُودُها أنْ نعرِفَ لوازمَ ذلك وهو طويلُ القامةِ والكرم بكثرةِ الطعام، وقرب البيتِ من موضِعِ الأضْياف، وفي القرآن: {أَمۡ يَحۡسَبُونَ أَنَّا لَا نَسۡمَعُ سِرَّهُمۡ وَنَجۡوَىٰهُمۚ﴾[الزخرف: 80] فإنه يُرادُ برؤيتِه وسمعِه إثباتُ علمه بذلك، وأنه يعلمُ هل ذلك خيرٌ أم شر؟ فيثيب على الحسناتِ ويعاقبَ على السيئات، وكذلك إثباتُ القُدْرةِ على الخلق كقوله: {وَمَآ أَنتُم بِمُعۡجِزِينَ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَا فِي ٱلسَّمَآءِۖ﴾[العنكبوت: 22]، وقوله: {أَمۡ حَسِبَ ٱلَّذِينَ يَعۡمَلُونَ ٱلسَّئَِّاتِ أَن يَسۡبِقُونَاۚ سَآءَ مَا يَحۡكُمُونَ﴾[العنكبوت: 4]، والمرادُ التخويفُ بتوابعِ السيئاتِ ولوازِمها من العقوبةِ
([1])أخرجه: مسلم رقم (1342).